فراس رضوان أوغلو - خاص ترك برس

ما أن تنتهي أزمة حتى تبدأ أخرى وما أن تشهد المنطقة استقراراً نسبيا حتى تعصف بها ريح تهدد كل المكونات الإجتماعية و السياسية لديها، وكأني بتلك المنطقة قد كتب عليها ان تكون رصيف تلاطم أمواج الأزمات.

لم يكد يمر أقل من عقد على الإحتلال الأمريكي للعراق (عام 2003) حتى تغيرت الخارطة السياسية في المنطقة، فأنظمة حُكمٍ صارت في حُكم الزوال وبلاد صارت في حكم الخراب، وأصبح باب التدخلات الخارجية مفتوحاً على مصراعيه، فلا أهل الديار لديهم القدرة على الذود عن حياضهم ولا الدول الإقليمية و الدولية يتركون الكعكة دون اقتسامها، وبين ذاك وذاك تبقى الشعوب هي التي تدفع الثمن وتصبح الأوطان منفى أهلها.

مراحل عدة مرت بها المنطقة ابتداءً مما اصطلح عليه اسم ثورات الربيع العربي التي جابت شوارع تونس وليبا ومصر وسوريا و اليمن وصولا إلى مصطلح الثورات المضادة والتي أيضا جابت شوارع تلك البلاد، لتتفاقم معها المعضلة السياسية أكثر فأكثر وتصبح الحلول في دائرة أصغر، ولم يقف الأمر عند ذاك الحد بل أخذ الانقسام الطائفي يبلغ أشده ليتحول مع الأيام إلى حرب شيعية سنية تجلت ملامحها في سوريا والعراق واليمن لتجر البلاد نحو دمار أتى على الحجر والبشر ولتترك شرخاً اجتماعياً لايمكن نسيانه

أعادت عاصفة الحزم التفاؤل نوعا ما لتلك الشعوب حين استطاعت أن توحد بعضاً من الدول العربية و الإسلامية بعد تفرق طال أمده، وكان يؤمل من تلك الجهود أن تنحو نحو علاقات أكبر وتكامل أوسع، في إطار يفترض به أن يسهم الى وحدة سياسية واقتصادية كان ينشدها الجميع، خاصة وأن هناك (من الخارج) من يريد أن يمزق المنطقة، لكن ذلك التفاؤل لم يصمد كثيراً فأشقاء البيت الواحد أصابتهم عين الفرقة وكأن المنطقة لا يكفيها ما فيها لتزيد شرخاً أخراً هي ليست بحاجه له، حتى أن أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يصل الخلاف بين دول الخليج العربي لهذا المستوى من القطيعة والإتهام بل إن الصدمة تجاوزت حدود العرب لتصل إلى جيرانهم ومنها تركيا التي لم تخفِ صدمتها وخوفها في نفس الوقت من عواقب تلك الأزمة، فالكل يعلم أن البيت الخليجي بيت واحد وإن قَطعّته حدود سياسية مصطنعة، وحتى التشابك الإجتماعي والثقافي والديني بين تلك الدول يعد فريداً من نوعه في العالم وعليه فإن الكثير من تلك الشعوب تعتبر الكتلة الخليجية من أكثر التكتلات العربية تماسكاً وأكثرها لُحمة وأبعدها عن الشقاق، علاوة على قوتها الاقتصادية وثقلها الروحي والديني عند العرب والمسلمين ولذلك فإن أي إهتزاز سلبي يطرؤ على تلك المنطقة ستعم عواقبه على الجميع وتأثيراته ستأخذ وقتاً طويلاً من أجل التعافي منها

دائرة الأحداث لا تكاد تتوقف وهي تنتقل من مكان لأخر محدثةً تغيرات ليست من قبيل الصدفة لتعود بنا الذاكرة قليلاً إلى الوراء حينما أستخدمت كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وقتها لـ مصطلح الشرق الأوسط الجديد في عام 2006 وفي تل أبيب، ومنذ قدوم الأمريكان لإحتلال العراق وعناقيد الدول تسقط الواحدة تلو الأخرى وقوى الفوضى البنّاءة تطلق عنانها في المنطقة لنشر عدم الاستقرار والأمان ولتعيد رسم خرائط المنطقة بشكل جديد وهذا الرسم مشمول فيه الجميع بما فيها تركيا، فالحذر كل الحذر في قراءة الاحداث كي لا نزيد في شروخ الشرق الأوسط شرخاً جديداً

عن الكاتب

فراس رضوان أوغلو

دبلوم تاريخ في العلاقات السياسية في القرن الثامن عشر، كاتب ومحلل سياسي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس