جلال سلمي - خاص ترك برس

وصفت الصحف التركية المباحثات الجارية بين روسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بتقاسم النفوذ في سوريا "بعملية الاحتلال" التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تقسيم فعلي لسوريا.

وفي هذا الإطار، لا ترفض تركيا إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية في المناطق التي يتم "تحريرها" من قبل ال "ب ي د" و"ب كا كا"، والتي تحاذي الأراضي التركية، بل ترفض أيضاً الاتفاقية التي وُقعت بين النظام السوري وروسيا، والتي تقضي بنشر قوات روسية في سوريا لمدة 49 عاماً، بذريعة أنها تجعل من سوريا خاضعة "للوصاية الروسية" بشكل فعلي.

تعتبر تركيا دولة قومية تحسب تحركات الدول القومية الأخرى بشكل عقلاني يعتمد على مبدأ "المكاسب والخسائر". وبالنظر إلى مسار عملية تقاسم النفوذ الفعلية الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، نرى أن تركيا تخرج من العملية بخسائر أكبر من المكاسب التي كانت تهدف إلى الظفر بها لقاء دعمها الثورة السورية. وربما يمكن سرد بعض الخسائر البارزة لتركيا على النحو الآتي:

ـ تقليل الولايات المتحدة من اعتمادها على القواعد العسكرية في تركيا، ولجوؤها للاعتماد على القواعد العسكرية التي تسعى لإنشائها في شمالي سوريا. وهذا ما يفقد تركيا إحدى أوراق الضغط على الولايات المتحدة. وهي أوراق ضغط لطالما استخدمتها تركيا لتحقيق توازن قوى إيجابي يصب في صالحها مع الولايات المتحدة.

ـ تقييد تحرك القوات التركية تجاه تمدد "ب ي د" و "ب كا كا" شمالي سوريا وشمال شرقها. فتأسيس القواعد الأمريكية في تلك المناطق، يشير إلى تحولها إلى منطقة محمية أمريكية يصعب على تركيا التحرك بها عسكرياً. وبالأخص، عجزها عن إجراء أي تحرك وقائي ضد التغيير الديموغرافي الذي تقوم به قوات "ب ي د"، بشهادة منظمة العفو الدولية، في تل أبيض ومحيطها.

ـ حصول المناطق التي تسيطر عليها قوات "ب ي د" و" ب كا كا" على درجة عالية من الأهلية للتحول إلى مناطق قادرة على إدارة ذاتها بذاتها، من خلال المطارات التي يتم إنشاؤها في الرميلان، وعين العرب، والقامشلي، فضلاً عن الطرق البرية التي يتم السعي للحفاظ عليها بأيدي قوات "ب ي د" و"ب كا كا".

ـ توسيع روسيا قواعدها العسكرية في سوريا. فإلى جانب القاعدة الروسية الموجودة في طرطوس، حصلت روسيا، من خلال الاتفاقية العسكرية الجديدة المبرمة بينها وبين النظام السوري، على حق إنشاء قاعدة عسكرية جديدة على شاطئ البحر المتوسط. هذه القواعد ترفع من احتمال ارجاع بوادر التعاون التاريخي الذي كان قائماً بين روسيا، الاتحاد السوفييتي سابقاً، وقبرص اليونانية واليونان ضد المصالح التركية في محيط شرق البحر المتوسط. كما يهدم الحلم التركي بتحويل سوريا إلى ممرٍ بري يصل بينها وبين الدول العربية سياسياً واقتصادياً بشكلٍ شبه كامل. ولا شك في أن هذه الخسائر تعتبر باهظة في ميزان المصلحة القومية التركية.

ـ رجوح كفة الميزان لصالح المنافس الإقليمي "إيران". فهيكلية التنسيق الجاري بين الولايات المتحدة وروسيا لا يحمل بين طياته القضاء بشكل كامل على النفوذ الإيراني في سوريا، بل يتضمن تخفيفه وإدارته بشكلٍ لا يسمح له بالتأثير على مصالح وأمن الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن. فكما هو واضح، بينما ترجح كفة الميزان، وفقاً للاتفاق، لصالح إيران، يتم تجاهل المطالب التركية بحماية أمنها القومي الاستراتيجي المهدد بتأسيس دولة أو حكم ذاتي كردي في شمالي سوريا.

في الختام، تجاهل التنسيق الجاري بين روسيا والولايات المتحدة للمصالح التركية بشكل كبير وجلّي، قد يدفع تركيا إلى رفع مستوى تنسيقها مع روسيا في إطار مسار آستانة، وقد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات وقائية كاستهداف قوات "ب ي د" أو "ب كا كا" بشكل غير مباشر، أي عبر قوات كردية أو عربية موالية لها.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس