أحمد طلب الناصر - خاص ترك برس 

في منتصف شهر شباط/ فبراير من هذا العام، وخلال مؤتمر جمع ما يزيد على ألف مدعوّ من المعلمين والأكاديميين والسياسيين، سوريين وعرب وأتراك، في قاعةٍ كبرى بوسط مدينة إسطنبول.

مؤتمرٌ دولي عُقد لمناقشة الواقع التعليمي للسوريين في الداخل وبلاد الشتات، حضرتْ فيه جميع العناصر التي يجب أن تمثّل السوريين، عدا عنصراً واحداً لم ينتبه لغيابه معظم الحاضرين.. أو أنهم تجاهلوا الغياب في ظل عدم تواجد المنظّم العارف، حتى نهض أحدهم من وسط الجالسين –ولم يكن من الجالسين في المقاعد الأولى- ليقول بصوت تخنقه العبرة والحزن وتلفّه هالة الكبرياء: "كنت أتمنى لو أننا شاهدنا علم الثورة السورية منتصباً بين الأعلام على منصّة المؤتمر.."

عندها، تحوّلت القاعة إلى مهرجان صاخب من التصفيق، ولم يطل الأمر حتى كانت رايتان للثورة تزيّن المنصّة.

إنه العالم السوري "جمال عبدالرحيم أبوالورد" ابن مدينة إدلب، معرتمصرين، كفرجالس، ابن السادسة والأربعين ربيعاً.. "خوارزمي التاريخ المعاصر" كما أطلقت عليه جامعات ومعاهد العالم الكبرى.

اكتشف ما يزيد على (42) قانوناً وقاعدة في علم الرياضيات لم تكن موجودة من قبل، وشارك بتأليف العديد من المناهج الدراسية في مادة الرياضيات، وألّف كتاباً حول العقود في جبر الأعداد الذي أكمل من خلاله ما طرحه العالم الإسلامي الخوارزمي، وتبناه المعهد الأمريكي في أفريقيا والشرق الأوسط فقرر أن يشقّ ذلك الكتاب طريقه نحو العالمية، علماً بأنه أبسط الكتب التي ألفها أبو الورد..

يؤمن بأن الثورة السورية هي ثورة شعبية وعالمية بامتياز، وهذا ما جعل جميع الأمم تتكالب عليها.  لا يكفّ لحظة عن فضح جرائم النظام الأسدي في كل لقاء أو خبر إعلامي، ودائماً ما يكرر بأن الثورة منتصرة لا محالة، وأن السوريين ثاروا بسبب التغييب القسري الذي مارسه النظام على أصحاب الفكر والإبداع، والدليل على ذلك نبوغ الإنسان السوري في جميع البلاد المُهجّر إليها، والذي سيعود في المستقبل لبناء سوريا الجديدة الخالية من الطغمة الفاسدة.

في إحدى لقاءاته التلفزيونية يتحدّث أبو الورد عن نفسه وتجاربه التي عاشها في الوطن الذي هاجر منه في السنة الثانية من تاريخ الثورة، حديثاً مليئاً بالبساطة والحميمية والعفوية التي يحملها السوري بشكل عام وابن إدلب على وجه الخصوص:

"عشت في كنف أسرة تعمل بالزراعة، وتوفي والدي وأنا في مرحلة الدراسة الإعدادية.. كنت أخاف من المدرسة وأتمنى أن أصبح راعياً للغنم.. وليس عيباً في ذلك، فالرسول الكريم كان راعياً. منذ صغري كنت أتساءل دائماً عن أشياء ليس لها حلول، أقرأ بنهم على ضوء مصباح (الكاز) قبل وصول الكهرباء إلى قريتي..أؤمن بالصبر لأجل العلم".

حين تمكّن جمال من الوصول إلى بعض ابتكاراته، توجّه نحو الجمعية الخاصة ببراءات الاختراع، والمخزي في الأمر أنها "كانت تتبع لوزارة التموين" كما يصف لنا، ليقدّم لهم أول ابتكاراته العلمية في الرياضيات في العام 2002، فكان أول الحاصلين على شهادة الملكية الفكرية في سوريا، وكتبت عنه آنذاك صحيفة "البعث" السورية خبراً صغيراً يذكر أن باحثاً سورياً يبتكر بعض العمليات الرياضية الجديدة في جبر الأعداد، ثم بقي الخبر ضمن تعتيم كامل لعدة أشهر، حتى طلب منه مكتب البحث العلمي في "القيادة القطرية" لحزب البعث آنذاك الاطلاع على ابتكاراته الحديثة وتقديم الملفات والأوراق المتعلقة بها. ويبدو أن الغرض من ذلك كان على الأغلب "تعفيشها" كما عفش "أمينها العام" السابق والحالي البلد وخيراته ثم دمرها وهجّر أهلها.

أما حول العلم والتعلّم في سوريا (الأسد) فيعلّق العالم أبو الورد: "كان أكبر عميد كلية أو رئيس جامعة يتم تعيينه أو إزالته من خلال تقرير لعنصر مخابرات". فكيف لنا تصوّر التعليم والإبداع في وطنٍ يحكمه "مُخبر" صغير ومسؤول جامعة رخيص؟

من كندا وأمريكا مروراً بالمغرب فتركيا وأوروبا، حاز عالِمنا على العديد من الشهادات الدولية، ومن أبرزها: شهادة الدكتوراة من جامعة "ديلاوير" الأمريكية العريقة، وشهادة البورد الأمريكي في الرياضيات، وشهادة المستشار العلمي للمعهد الأمريكي للاعتماد والتدريب، إضافة إلى شهادة المستشار العالمي للإبداع من كندا، فشهادة المدرب العالمي في الإبداع، وشهادة العضوية الفـخرية للأكـاديمية الـعلمية للتـنمية البـشرية، وأخيراً وليس آخراً البورد الألماني في الرياضيات.

وبكل إخلاص وتواضع يقول جمال أبو الورد: "جميع ما قدّمته وألّفته ونلته من شهادات.. أقدّمه للشعب السوري وثورته المجيدة".

بقي أن نشير إلى أن عالمنا الاستثنائي مطلوب لمحكمة الإرهاب الأسدية بسبب موقفه المعارض للأسد وعصابته الحاكمة، خاصة بعد أن أهداه الرئيس التركي الطيب "أردوغان" الجنسية التركية له ولعائلته تقديراً لعلمه وإنجازاته المميّزة.

فهنيئاً للشعب التركي مولودهم الجديد، وهنيئاً للشعب السوري بهذا العالِم الإنسان الذي أعاد لمبدعيه ومفكريه ثقتهم بأنفسهم، وزرع في نفوس جيل الثورة الصاعد الأمل في النبوغ والإبداع ليمثّل سوريا الغد.. سوريا الحق والخير والجمال.. سوريا الحرة الكريمة.

هنيئاً لنا برجل رسم للعالم صورة الإنسان السوري الذي ينهض، كطائر الفينيق، من تحت الرماد، ليثبت للبشرية بأن على الأرض السورية ما يستحق الحياة، وعلى الارض التركية ما يستحق التقدير.

شكراً أيها العالِم.. شكراً أيها السوري التركي جمال أبو الورد.

عن الكاتب

أحمد طلب الناصر

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس