جلال سلمي - خاص ترك برس

في إطار الاستقطاب الإقليمي الحاد الذي أنتجته الأزمة الخليجية، كان لا بد لجميع الدول الفاعلة توجيه النظر نحو الحفاظ على التوازنات السياسية المهيمنة على المنطقة، أو توجيهها بما يكفل لها الحفاظ على مصالحها. وفي حال التوازنات السياسية الخاصة بالخطط التركية، نلمس أن الموقف التركي ضغطت عليه بعض المتغيرات حيال المنطقة جراء هذه الأزمة.

المتغير الأول للموقف التركي يكمن في إبداء إرادة سياسية ملموسة فيما يتعلق بمساندة حليفها القطري سياسياً وعسكرياً. إرادة سياسية حادة لم تُلمس في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923، سوى في عملية "السلام" التي تمت في قبرص عام 1974، وعكست تدخلاً عسكرياً تركياً لأول مرة خارج الحدود القومية للجمهورية. ولا شك في أن تخوف تركيا من ضياع "هيبتها الدبلوماسية" بالكامل، بعدما هُدر منها الكثير نتيجة عدم قدرتها على إدارة الثورة السورية بما يكفل مصالحها، بالإضافة إلى توجسها من انهيار آخر حليف متين لها في منطقة الشرق الأوسط، وتخوفها من ميل هذا الحليف لإيران على حساب مصالحها، وغيرها، عوامل عدة لعبت في دفع تركيا نحو إبداء إرادة سياسية متينة.

المتغير الثاني يأتي في سياق تراجعها عن تبني الدعم الكامل للعملية العسكرية الجارية في اليمن. يمكن لمس هذا التراجع بكل يسر بمتابعة الصحف التركية التي تنقل، منذ شهر، على غير العادة، الأنباء المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة في اليمن، والتحركات التي تقوم بها الإمارات هناك، والتي وصفت "بالتحركات احتلالية"، فبينما يمكن تفسير هذا المتغير بتراجع الدور القطري، وبالتالي التركي غير المباشر هناك، يمكن تقييم ذلك على أنه يشكل بوادر أساسية لاتجاه تركيا نحو إجراء تنسيق أكبر مع إيران، بُغية تحقيق بعض المكاسب لصالحها في سوريا، بعدما بدأت التطورات تصب في صالح روسيا والولايات المتحدة على حساب مصالحها، وإحراز تحرك دبلوماسي مشترك في العراق، لحماية تلعفر ـ عاصمة التركمان في العراق ـ من تدخل الحشد الشعبي، ولتنسيق المواقف فيما يتعلق بالطرق التي يمكن اتباعها للحيلولة دون تحقيق إقليم كردستان العراق استقلاله الكامل.

المتغير الثالث يتبلور عبر فتح شركة الصناعات الإلكترونية الجوية "هوالسان" مكتب لها في قطر، في سابقة هي الأولى من نوعها من حيث توسيع تركيا لنشاطها التجاري الدفاعي خارج حدودها القومية. إذ منذ أن نشطت تركيا في مجال صناعة وتصدير الأسلحة مطلع الألفية الثالثة، وهي تروج لأسلحتها من خلال عرضها في معارض، أو عبر إجراء اتفاقيات معينة مع الدول. وهنا تُحرز تركيا تحركاً جديداً في سياق توسيع التعاون الدفاعي العسكري المشترك، فتعاونها مع قطر "الغنية رأسمالياً" سيمنحها فرصة أكبر لتنويع صناعاتها العسكرية، وبالتالي قد تقترب أكثر لقائمة الدول "الأكثر تصديراً للأسلحة".

في المحصلة، هناك عوامل كثيرة ضغطت على تركيا للوصول إلى هذه المتغيرات، غير أن تخوفها من انهيار المنظومة القائمة في ميزان قوى المنطقة هو العامل الأساسي في تحريكها نحو إحداث هذه التغيرات.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس