إسراء باريق - صحيفة أونجة وطن - ترجمة وتحرير ترك برس

إن مسألة التوقيت بالنسبة للخطوات الواجب اتخاذها في المنطقة مهمة جدًا، وإلا فإن أنقرة قد تضطر للتعامل مع الكثير من المعادلات الاستراتيجية، كما هو الحال في منبج (مدينة بريف حلب شمالي سوريا). وما هي الصورة الجديدة التي قد تواجه تركيا في حال تدخلت عسكريًا بعفرين، واصطدمت مع تنظيم "الاتحاد الديمقراطي" الإرهابي في المنطقة، الذي تصر الولايات المتحدة على دعمه؟

آغار: إن موضوع حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا والقوى العالمية الموجودة في المنطقة، شكل العامل الحاسم الرئيسي والمؤثر على القرار في أنقرة. إن هذا العامل سوف يواصل التأثير دائمًا على دوائر القرار. ومن الواضح أن تركيا سوف تبقى دائمًا تضع هذه المسألة في عين الاعتبار.

إن أي تدخل عسكري محتمل لتركيا في المنطقة، قد يدفع إلى نشوب صراع مباشر مع القوى العالمية. في الواقع، إن جميع السناريوهات مطروحة على الطاولة والقرارات التركية مرتبطة بمدى تأثير التطورات على أمن أنقرة القومي.  

بدأت عملية تلعفر (أكبر قضاء في العراق يتبع محافظة نينوى)، والتوازنات في هذه المنطقة تبدو ذات حساسية مضاعفة بالنسبة لتركيا، لكون المنطقة المشار إليها ذات غالبية تركمانية. إن إجراء هذه العملية في منطقة ذات غالبية سنية بواسطة ميليشيات غالبيتها شيعية، يثير بطبيعة الحال مخاوف متعلقة بارتكاب مذابح طائفية في هذه المنطقة، فضلًا عن أن إحداث هذه العملية لموجة هجرة كبيرة يعتبر أمرًا لا مفر منه. ما هو الوقف الذي ستتخذه تركيا في مثل هذه الحالة؟ هل يحمل موضوع تزامن زيارة باقري إلى تركيا مع انطلاق العملية العسكرية ضد تلعفر مغزى معين، بالنظر إلى القوة العسكرية التي تملكها إيران في العراق؟، وهل تناول الجانبان (الإيراني والتركي) مواضيع أخرى غير العناوين التي تضمنها جدول الأعمال؟  

آغار: لو أن إيران وتركيا كانتا قادرتان على إنتاج سياساتٍ تراعي الأهداف المشتركة، والمصالح المشتركة، والآثار المشتركة، لما وصلت المنطقة أبدًا لهذه النقطة. في الواقع، إن وجود تركيا وإيران في محورين منفصلين ساهم بشكل كبير في تشظّي العراق وسوريا وتفتتهما. ربما تحمل لنا الأيام القادمة أملًا ما. ولكن الأمر لا يزال مبكرًا جدًا.

ما زال التعصب الطائفي وحالة العداء والهشاشة في الثقة والمنافسة الجيوسياسية والجيواستراتيجية في المنطقة، تشكلان عوائق كبرى أمام قيام تحرك مشترك بين إيران وتركيا. ولكن من ناحية أخرى، يبدو أنه لا يوجد خيار آخر أمامهما. قد تنجح كل من تركيا وإيران في عمل مشترك حيال القضايا التي تهدد بقائهما وبنيتهما المركزية. لاسيما وأن البلدين مهمان جدًا ويمتلكان القدرة على هزيمة الخلافات الطائفية والمذهبية التي جعلت المنطقة أثر بعد عين.

التعصب المذهبي، هذه هي المشكلة الأساسية هنا. وإن حل هذه المشكلة، سوف يساهم في تشكيل حجر الأساس لحل جميع المشاكل في المنطقة. وهناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق البلدين في هذا الإطار.

وفي ضوء هذه التطورات، كيف تستطيع تركيا استغلال الوقت ورفض الأمر الواقع وإدارة هذه المرحلة الحرجة في المنطقة والخروج خارج الأطر التي تسعى القوى العالمية فرضها؟. هل يمكننا القول بأن الحوار بين تركيا وروسيا وإيران والنظام (نظام الأسد) بات يكتسب أهمية كبرى في هذا السياق؟. وأي نوع من المخاطر يحملها إمكانية وجود تحالف محتمل بين روسيا والولايات المتحدة في المنطقة، وفق أسوأ السيناريوهات المطروحة؟

آغار: روسيا وأمريكا؟... هل سيجتمعان معًا؟... إنها مشكلة تخص الطرفين.

إن المشكلة الرئيسية هنا هي قدرة المجتمعات التي تدعي انتمائها للإسلام على العيش المشترك.

مما لا شك فيه، أن روسيا أو الولايات المتحدة، سوف تستمر كل منهما بتنفيذ أجندتها الخاصة بشكل مستقل، أو بالتنسيق المشترك من خلال تحالف كلي أو جزئي.

وأخيرًا، لقد عالجتم في إحدى مقالاتكم السابقة التي تناولت التأثيرات الدولية على الوضع الراهن، عدة قضايا كان أبرزها، تقليص مساحات انتشار التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش، وبعثرتها دون القضاء عليها وتأجيلها للمستقبل، وانتشار التطرف في الشرق الأوسط خصوصًا والعالم عمومًا، وفقدان البشرية للحس السليم والقدرة على المحاكمة المنطقية، وانتشار الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، تطور التطرف والعداء الطائفي بين السنة والشيعة ليشكل فرصًا تفتح الطريق أمام صراعات عالمية ودينية. إن هذه النقاط التي تطرقتم إليها لامست كبد الحقيقة.

في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة هذه الفوضة المنظمة (أو حتى الفوضى الخارجة عن نطاق السيطرة)، وترفض الولايات المتحدة الأمريكية وضع رؤية محددة لسوريا الغد، كيف ستكون الخطوط العامة للخريطة التي ستواجهنا في نهاية المطاف، بعد انتهاء جميع هذه العمليات في المنطقة وزوال داعش عنها؟

آغار: إن هدف الغرب واضح... دول مجزّأة ومجتمعات متفسخة. مجتمعات إسلامية هشة وعداوات قائمة ومستمرة. هذا هو اللباس الذي فصلته الرأسمالية أو الإمبريالية لهذه المنطقة. في الواقع، إن المخططات الغربية ليست مهمة كثيرًا في هذا الإطار. لأن المهم هو ما نقوم به نحن أو ما يمكننا القيام به. إننا نشهد في منطقتنا انهيارًا على المستوى المفاهيمي، وغربًا يتغذى من هذا الانهيار.

إن تمكن المنطقة من إيقاف الانهيار المفاهيمي وعكس الآية باتجاه السير على طريق الصحوة، سوف يمكنها من تجاوز هذه المرحلة الصعبة وتحويل الأزمة إلى مكتسبات.

أهم شيء في هذا السياق، هو حالة البؤس الذي تعيشه المجتمعات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام، على صعيد فهم جوهر دينها ومقتضياته. فالبعض يدعي الإسلام، إلا أنهم يتشبثون بأصنام حيّة، ويجعلون من أنفسهم دمى وبيادق لتلك الأصنام التي تستغلهم وفق أهدافها ومصالحها الخاصة، فيبدأ المسلمون بتحطيم بعضهم بعضًا.

الحقيقة الأكثر إيلامًا اليوم هي: "أن الذين يعلنون الجهاد ضد بعضهم البعض ويقتلون بعضهم بعضًا، يعلنون قتلاهم أيضًا شهداء بنفس الطريقة".

لو أننا نجحنا في الإيمان بالله وعبادته وفق ما جاء في الوحي (القرآن)، بدلًا من الإيمان بهذه الأوثان الناطقة وعبادتها، لما واجهنا هذه المصائب التي نعيشها اليوم. ومع هذا؛ لا تزال هناك فرصة كبيرة يمكننا استغلالها.

الفرصة هي أن نستطيع رؤية الأخطاء التي ارتكبناها وامتلاك القدرة على إصلاحها.

وأعتقد أن هذا الأمر ممكن من خلال قراءة وتصحيح ثلاثة أشياء.

- قراءة الآيات المنزلة (الدلائل) وفهمها وإنتاج أفكار منها.

- فهم الصورة الجزئية والكلية للآيات القرآنية، والتفوق في مجالي العلوم والتكنولوجيا.

- قراءة الإنسان والإنسانية. (تأسيس الحضارة وفق منطلقات إنسانية).

ولا أعتقد بإمكانية حل مشاكل البلاد والبشرية دون تأسيس بنية شاملة قادرة على الرؤية بهذه الطريقة. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس