د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

تنطلق فرضية بحثنا من الآتي:

أولا: استفتاء انفصال اكراد العراق يعد بمثابة مسألة أمن قومي لتركيا، وهي لن تتردد في استخدام حقوقها  في هذا الإطار...

وتحتفظ تركيا بجميع حقوقها المنبثقة عن الاتفاقيات الثائية والدولية في حال نجاح الاستفتاء وتم إعلان "جمهورية كردستان المستقلة" في شمال العراق وعدم إلغاء أكراد العراق لاستفتاء الانفصال عن العراق رغم التحذيرات المتكررة التركية الإيرانية لهم بإلغائه يعني عمليا بدء العد التنازلي لتدخل عسكري تركي واقع وليس محتمل ضد إقليم شمال العراق؟

ثانيا: إن اجتماع مجلسي الوزراء والأمن القومي التركي قد أعطى الضوء الاخضر للقوات المسلحة التركية بالاستعداد للقيام بعملية سيف الفرات ضد إقليم شمال العراق إن نجح الاستفتاء وأصبح الإقليم دولة...

وإن تحرك الجيش التركي ضد إقليم شمال العراق لم يكن قرارا سياسيا أو عسكريا تنفيذا لقرار مشترك صدر من مجلسي الوزراء والأمن القومي التركي فحسب، بل إن تحركه عسكريا كان بناء على تفويض صادر من البرلمان التركي...

ثالثا: إن تركيا لديها ثلاثة  معاهدات أممية (لوزان، أنقرة 1926، ومعاهدة 1946) بين العراق وتركيا للتدخل العسكري للحفاظ على الأمن القومي التركي... وبموجبها: (خاصة معاهدة أنقرة 1926) إعطاء تركيا حق التدخل العسكري في الموصل  وشمالي العراق لحماية الأقلية التركمانية  القاطنة هناك إذا تعرضت لأي اعتداء أو لحق بوحدة الأراضي  العراقية أي تخريب؟

رابعا: إن إقحام كركوك في استفتاء انفصال إقليم شمال العراق يعد بمثابة تهديد للأمن القومي التركي، وعلى أثره تجري عملية سيف الفرات المقبلة ضد الإقليم لكون كركوك من وجهة نظر الأتراك لها خصوصية لاعتبارين:

- تعد مدينة تركمانية بنسبة 70% من سكانها؟

والتركمان يشكلون نصف سكان المدينة وموجودون بمناطق  تازة والتون كوبري وداقوق  وليلان وتلعفر والدوز... إلخ...

- العرب من المكون السني  يشكلون أيضا نسبة لا يستهان بها ويتوزعون بمناطق الحويجة  والزاب والرياض والرشاد  والعباسية والدبس بالإضافة إلى وجود الأكراد...

 بدء العد التنازلي لتدخل تركي في شمال العراق؟

في الحدود العراقية التركية تبدو تركيا وكأنها بدأت العد التنازلي للقيام بعمل عسكري قريب إذ التدريبات العسكرية التركية  الموسعة عند معبر الخابور البري الرابط بين البلدين والتي سوف تستمر لغاية 26 أيلول/ سبتمبر الجاري حتى بعد اليوم التالي لانتهاء الاستفتاء المزمع عقده في 25 أيلول الجاري. بالمقابل جرى اجتماع بمنتهى الأهمية في أنقرة 23 أيلول الجاري بين رئيس أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي ونظيره التركي خلوصي أكار في تطور لافت وقبل أقل من يومين من الاستفتاء؟

فهل سوف يناقش الجانبان التنسيق العسكري المشترك لدخول المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك؟

المادة (92) من الدستور التركي والعمليات العسكرية الخارجية للجيش التركي؟

بموجب المادة 92 من الدستور التركي، يجب أن يحظى أي نشر للقوات المسلحة التركية خارج حدود البلاد بموافقة البرلمان. وسبق أن حصلت حكومة "حزب العدالة والتنمية" على تفويض لنشر جنود أتراك في سوريا والعراق، تم تمريره في 3 أيلول/ سبتمبر 2015 وبقي سارياً حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2016. 

عقد البرلمان التركي جلسة استثائية في 23 أيلول الجاري لتجديد التفويض للجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية في العراق وسوريا. وسوف يمرر القرار بسهولة نظرا لدعم المعارضة السياسية في تركيا لتجديد التفويض.

وسوف يناقش البرلمان التركي أيضا الإجراءات المزمع اتخاذها ضد إقليم شمال العراق في حالة عدم إلغائه لاستفتاء الانفصال عن العراق، والتي قد تكون عقوبات اقتصادية ومالية وغلق منافذ حدودية. وبنفس الوقت سوف يصدر البرلمان  قرارا بتفويض الجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية خارجية داخل الأراضي العراقية والسورية. 

ويشير التفويض البرلماني للجيش التركي في الثالث من  أيلول 2015 وبقي سارياً حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2016. إلى الآتي:

أولا: "تنفيذ أنشطة وعمليات في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم داعش والتنظيمات المماثلة".

ثانيا: تأكيد التفويض على أن حزب العمال الكردستاني كان ولا يزال يشكل  تهديدا للأمن القومي التركي.

ثالثا: إشارة التفويض لأول مرة إلى ثلاثة أمور كما يلي:

- تستمر الوحدات الإرهابية المسلحة التابعة لـ "حزب العمال الكردستاني" باحتلال أراضٍ في شمال العراق وسوريا.

- ينتهي التفويض بالإعلان الآتي: "في ظل هذه الظروف، وبهدف اتخاذ الاحتياطات الضرورية لحماية الأمن القومي التركي من أي تهديدات إرهابية وأمنية في إطار القانون الدولي، والقضاء على أي هجمات حالية أو مستقبلية من قبل تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، والاستمرار في حماية أمننا القومي من أي مخاطر محتملة...".

- تم تفويض القوات المسلحة  التركية، عندما تدعو الحاجة لذلك للقيام بعمليات عابرة للحدود ونشر عناصرها العسكرية في دول أجنبية.

بالإضافة إلى الترحيب بقوات مسلحة أجنبية في صفوفها إذا كانت تعمل للغاية ذاتها، على أن تتخذ الحكومة التركية القرارات المناسبة بشأن حدود هذه العمليات ونطاقها وتوقيتها وحجمها وتفويض البرلمان التركي في أيلول الجاري سيكون محددا بالقيام  بعمليات عسكرية تركية ضد إقليم شمال العراق في حالة نجاح استفتاء الانفصال عن العراق وإعلان "جمهورية كردستان المستقلة" على الحدود العراقية التركية.

هل تسبق معركة سيف الفرات المقبلة والواقعة ضد إقليم شمال العراق إجراءات استثنائية عقابية ضد الإقليم؟

وهل حدد البرلمان التركي بدائل استراتيجية لحماية المصالح الاقتصادية والمالية والتجارية من تأثير قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والنفطية  مع إقليم شمال العراق؟

- إن معركة سيف الفرات مشروطة عمليا وليس افتراضيا بنجاح الاستفتاء وإعلان دولة إقليم شمال العراق.

- ربما يسبقها عقوبات تركية وإيرانية مشتركة مثل إغلاق القنصليات التركية والإيرانية  ووقف الرحلات الجوية إلى اربيل  والسليمانية وقطع مرور النفط من إقليم شمال العراق عبر ميناء جيهان التركي وغلق المنافذ الحدودية... إلخ.

- فتح تركيا منفذًا حدوديًا جديدًا لتجارتها مع العراق عبر تلعفر ليكون بديلًا عن منفذ زاخو في حال إغلاقه من قبل تركيا مستقبلا. 

- ربما تلجأ تركيا إلى تسوية  الحسابات مع شركة سومو التابعة للحكومة الاتحادية  ببغداد وتفرض على إقليم شمال العراق إيداع مبالغ نفط الإقليم المصدر من ميناء جيهان التركي في البنك المركزي الاتحادي العراقي.

- تركيا ستلجأ إلى إغلاق قنصليتها في أربيل وإغلاق مكاتب إقليم شمال العراق في تركيا مع تجميد الأرصدة المالية لهم في البنوك التركية... إلخ.

وعلى المسؤولين بإقليم شمال العراق أخذ تهديدات تركيا على محمل الجد لأنها واقعة لا محالة وأن تركيا لن تتهاون بمسائل تهدد أمنها القومي وخاصة قيام دولة كردية مستقلة على حدودها مع العراق؟

وجدية هذه التهديدات صدرت من أعلى المستويات الرسمية في تركيا. إذ قال رجل الدولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الآتي:

"تراجعوا عن الاستفتاء قبل فوات الأوان... سيرى السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم شمال العراق موقفنا الرافض للاستفتاء  بعد اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 22 أيلول 2017، وأدعوه إلى إلغاء الاستفتاء قبل فوات الأوان... انتظر قرارنا ضد تصرفاتك بعد الانتهاء من الاجتماع العاجل لمجلس الأمن القومي التركي بعد سبعة أيام  من هذا اليوم في 22 أيلول الجاري... ويبدو أنهم أساؤوا فهمنا ومدى حساسيتنا بخصوص وحدة العراق، وخصوصا قضية كركوك وبعد إقدامهم على بعض الخطوات  الخطيرة تجاه كركوك ووحدة العراق... لن نسمح بإقامة دولتكم، أنت مسحت التركمان  في كركوك وجنوبها والعرب من الوجود... افهم رسالتنا جيدا".

ومجلس الأمن القومي التركي  أصدر بيانا شديد اللهجة إزاء  استفتاء إقليم شمال العراق جاء فيه:

"تحتفظ تركيا بجميع حقوقها المنبثقة عن الاتفاقيات الثنائية والدولية في حال إجراء الاستفتاء". ودعا الإقليم للتخلي  عن اجراء الاستفتاء قبل فوات الأوان. وحذر المجلس من ظهور عواقب وخيمة ستضر بشمالي العراق والمنطقة بأسرها بات أمرا لا مفر منه في حال الإصرار على هذا الخطأ (استفتاء الانفصال) المرفوض من تركيا ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي".

دخول وحدات حماية الشعب الكردية على أزمة استفتاء انفصال إقليم شمال العراق يعد مبررا للتعجيل بعمل عسكري تركي ضد الإقليم؟

إن دخول وحدات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، وتأييده انفصال إقليم شمال العراق وتهديده باستخدام القوة العسكرية ضد كل من يحاول الاقتراب من كركوك سوف يجعل الأتراك يقدمون على عملية عسكرية ربما تسمى (سيف الفرات).

ليس ضد إقليم شمال العراق فحسب، بل ستكون عملية مشتركة تركية إيرانية تشمل المناطق الآتية:

- مقرات القيادة والسيطرة لحزب العمال الكردستاني بضربات جوية مشتركة تركية وإيرانية في قنديل وسنجار.

- استهداف طرق إمدادات حزب العمال الكردستاني البرية الممتدة من شنكال، إلى سنجار، والسليمانية، ورانيا، وقنديل. 

- استهداف قوات قسد  بالأراضي السورية بالتنسيق الثلاثي التركي الروسي الإيراني، وربما هذا الأمر سوف يحرج الأمريكان والذين يدعمون هذه القوات (قسد) بقتالها لداعش في سوريا؟

- ربما تجعل تركيا روسيا وإيران بين خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بإمارة إسلامية متطرفة بإدلب تقوم على مساحة جغرافية كبيرة؟ أو القبول باستهداف قوات قسد في المناطق المتواجدة فيها حاليا؟

وروسيا وإيران لن ترضى بإنشاء إمارة متطرفة في إدلب. وفي حال استهداف قوات قسد فإن ذلك يعني تعقد وتشابك مسرح العمليات العسكرية في سوريا وربما يدفع بمزيد من التوتر بين الأمريكان والروس؟

- استهداف تركي إيراني لمقرات حزب بيجاك وقواعده في المثلث التركي الإيراني العراقي في حالة تأييده وترحيبه بقيام دولة إقليم شمال العراق.

- ستكون أربيل والمقرات الرسمية والمناطق الشمالية أولى المواقع للضربات الجوية التركية في حالة نجاح الاستفتاء وإعلان "جمهورية كردستان المستقلة".

التقارب التركي الإيراني الروسي وتغير أولويات الاستراتيجية العسكرية التركية في سوريا والعراق؟

الزيارة التي قام بها الجنرال محمد حسين باقري، رئيس هيئة الأركان العامّة للجيش الإيراني إلى أنقرة يوم 15 آب/ أغسطس عام 2017، واستقباله من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تُعتبر من الزيارات الرسميّة الاستثنائية على مستوى العلاقات التركية الإيرانية؟

وعلى إثر هذه الزيارة تغيّرت الأولويات للاستراتيجية العسكرية التركية بعد زيارة رئيس الأركان الإيراني لتركيا في 15 آب عام 2017، نحو تحقيق ثلاثة أهداف عززت التقارب التركي الإيراني الروسي.

الأول: منع إقامة إدارة ذاتية كردية متاخمة لتركيا أو إيران.  

الثاني: مناقشة مسألة بقاء نظام بشار الأسد. وهذه المسألة سوف تناقشها تركيا بعمق.

الثالث: قدمت إيران «اقتراحًا مفاجئًا» لأنقرة حول إدلب  وتلعفر  وسنجار وقنديل ودير الزور وكانت المفاجأة الأبرز تتمثل في إطلاق تعاون مشترك ضد المسلحين الأكراد في منطقتي قنديل وسنجار في شمال العراق. وربما هذا الاقتراح سيساعد على تنسيق المواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية التركية الإيرانية إزاء تداعيات انفصال إقليم شمال العراق وإعلانه "جمهورية كردستان المستقلة" في شمال العراق.

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس