أحمد طلب الناصر - خاص ترك برس

وأخيراً، وبعد ظهور نتيجة تحليل الحمض النووي، اعترف المتهم "أحمد بركات" بقتل الدكتورة عروبة وابنتها حلا بركات في منزلهما بتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد إنكاره لارتكابه الجريمة طيلة فترة توقيفه بعد الاشتباه.

ما يعني بأن تحليل الحمض النووي كان الدليل القاطع على إدانته، كما أوردت وكالة الأناضول يوم الجمعة 6 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وسأقتبس مقتطفات من اعتراف القاتل ودوافعه لارتكاب جرمه الآثم كما أوردته المواقع استناداً على خبر الوكالة:

" عندما كنتُ في سوريا قتل والدي وأخي الكبير في الحرب، وأنا قررت الهرب بهدف التخلص من الضغط الذي كان يمارس عليّ من أجل الانضمام لقوات النظام السوري.."
"وبعد فترة من تركي العملَ مع عروبة، دعتني لتعطيني مالاً.. وذهبت ليلة وقوع الجريمة إلى منزلها، وعندما حل الصباح طلبتُ نقودي، فقالت أنها أعطت المال لشخص آخر، ولم يبق لديها المزيد من المال، لذا غضبتُ وبدأتُ بالصراخ بوجهها، فصفعتني فقمتُ أنا بدفعها".

وأكمل قائلاً "وقبل الخروج من المنزل أحضرت عروبة سكيناً ووجهته نحوي، إلا أنني أخذت السكين منها، وقتلتُها عندما بدأت هي بالصراخ عليّ، لتأتي ابنتها حلا التي كانت في الحمام آنذاك، وتبدأ بالصراخ عند رؤيتها أمها غارقة بالدماء، فطلبت منها السكوت لكنها لم تنصت إليّ، فقمت بقتلها هي أيضاً، وتركتُ السكين في المطبخ وعدت إلى بورصة". انتهى الاقتباس.

وهنا سأتوقّف قليلاً لمناقشة ما جاء في أقوال القاتل والتي، حسب رأيي، وربما رأي العديد ممن قرؤوا اعترافه، يشوبها الكثير من التشويش والشكوك. فإذا ما جئنا إلى الفقرة الأولى التي يتحدّث فيها عن مقتل أبيه و"أخيه" في الحرب الدائرة في سوريا، فقد تقصّد المجرم إخفاء تفاصيل مقتل أخيه الأكبر، حيث أوردت الصحف منذ لحظة الاشتباه الأولى به، بأنه –أحمد- هو نفسه من ضغط على زناد سلاحه وقتل أخيه الأكبر بحجة أنه كان يؤذي والدته.

في الجزء الثاني من الاقتباس، يدّعي القاتل بأن المغدورة "عروبة" طلبت منه المجيء لإعطائه المال، وبالتأكيد كان طلب المجيء من خلال الجوّال أو رسائل التواصل الاجتماعية بسبب المسافة الشاسعة بين إسطنبول وبورصة، ولو كانت المسألة بهذه البساطة لتمكّنت السلطات خلال ساعة واحدة من الإمساك بالمجرم بمجرد فحص الرسائل وسجلّ المكالمات بعد اكتشاف جثتي المغدورتين، ولما لجأت تلك السلطات إلى تحليل صور الكاميرات لأكثر من 100 ساعة!

ونكمل في نفس الجزء، حيث يقول القاتل بأن المرحومة عروبة رفضت إعطاءه المال بحجة أنها أعطته لشخص آخر، إذن، لماذا طلبت من المدعو أحمد المجيء من بورصة إلى إسطنبول ليلاً لو لم تكن تريد إعطاءه المبلغ المتّفق عليه؟!

ثم يتابع في الجزأين الثاني والثالث فيقول أن صياحاً حصل بينه وبين المغدورة الأولى قبل مقتلها، ثم تبعه صياحاً آخر مع المغدورة ابنتها، صباحاً، وبكل تأكيد سيكون صياح المرحومة "حلا" بشكل هستيري لحظة رؤيتها لدماء أمها المقتولة، ومع كل ذلك لم تذكر التحقيقات بأن الجيران سمعوا أصوات صياح في شقة المغدورتين!

بعيداً عن كل ذلك، ما صحّة الأخبار التي تناولتها بعض المواقع والجرائد لحظة انتشار خبر مقتل عروبة وحلا، والتي تقول بأن ثمة آثار لخنق الضحيّتين قبل طعنهما؟

ثم، لماذا يتوجّه القاتل إلى إسطنبول ليلاً حاملاً معه ثياباً غير التي يلبسها؟ وإن لم تكن معه تلك الملابس.. فمن أين جاء بالنقود ليشتري ثياباً جديدة من ضمنها (بوط) عاد به إلى بورصة صباح الجريمة؟

يقول أحد القاطنين معه، في المنزل الذي يسكنه في بورصة، أن (أحمد) أخبرهم بأنه مسافر إلى إسطنبول للحصول على نقود من أحد أصدقائه (200 ليرة تركية) لأنه ترك عمله في المطعم مؤخراً ولم يتبقّ لديه شيء من النقود، وفي صبيحة اليوم التالي، حين عاد، كان يرتدي حذاءً جديداً. وبعد سفره مرة أخرى إلى إسطنبول يوم التشييع وعودته بعد 3 أيام إلى بورصة، حضر الأمن واقتاده، ثم عاد الأمن بعد ساعة تقريباً إلى مكان سكنه برفقة صاحب المطعم الذي كان يعمل فيه، ليبحثوا عن كنزة بيضاء و"شورت" أسود وجوارب وحذاء رياضي، فوجدوا اللباس كاملاً ما عدا الحذاء.

وبالعودة إلى مسرح الجريمة، وربطها بأقوال القاتل، فقد ذكر الأخير ضمن اعترافه بأنه بعد قتله للضحيتين قام بإرجاع السكين إلى المطبخ ثم عاد إلى بورصة، هكذا وبكل بساطة!
رغم أنه أكّد بأن الحادثة جاءت نتيجة غضب وردّة فعل عشوائية، فما الذي أوحى له بالقيام برش مواد التنظيف على الجثتين لإخفاء آثار الحمض النووي، ثم لفّهما بالشراشف، ومغادرة المنزل بثقة وهدوء نادرين؟!

يبدو أن جريمة "القاتل المزدوج" الشنعاء لا تزال ناقصة، ويبدو أيضاً بأن دوافعها كانت سابقة للحادثة، ومخطط لها سلفاً، ولا شكّ بأن الأيام القادمة ستكشف لنا تفاصيل أخرى جليّة، ولن تكتفي الجهات التركية المختصة، والضليعة بالتحقيقات، بادعاءات ذلك الآثم بعد تمكّنها من القبض عليه قبل اختفائه.

وفي حال التأكّد من أن دوافع الجريمة هي ذاتها التي ذكرها المجرم، فهي دليل واضح أيضاً على دناءته وخسّته.

نهاية، الرحمة والسلام والمغفرة لروحي عروبة وحلا الشهيدتين بعد أن منّ الله على أحبّتهم بالكشف عن ذلك الكائن الوضيع، والصبر لنا ولعائلتيهما، ونحمد الله الذي لا تضيع عنده الودائع.

عن الكاتب

أحمد طلب الناصر

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس