ديميتري ديمين - المركز الإستراتيجي للثقافات - ترجمة وتحرير ترك برس

مؤخرا، أعلنت وسائل إعلام تركية اعتقال موظف في القنصلية الأمريكية في إسطنبول، على خلفية اتهامه بالاضطلاع في محاولات جدية "لتغيير النظام الدستوري" "والتجسس"، بالإضافة إلى محاولة الإطاحة بالحكومة التركية. وفي الأثناء، تم اكتشاف أن للمعتقل صلة بحركة فتح الله غولن، المسؤولة عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو.

عموما، لا يعد هذا الأمر سوى غيض من فيض، حيث تتجه العلاقات الأمريكية التركية إلى البرود بشكل تدريجي. والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة ولقاءه بنظيره الأمريكي، دونالد ترامب لم يساهما في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.

في الواقع، تشهد العلاقات بين البلدين تدهورا منذ أكثر من عقد من الزمن. وفي هذا السياق، أكد الخبير الأمريكي توم روغان الذي يعمل في صحيفة "واشنطن أكسامينر"، أن الأمر يعزى "للتأثير السلبي لبوتين". وفيما يتعلق بالاجتماع الأخير بين أردوغان وبوتين، انتقد الأمريكيون العلاقات التركية الروسية، واعتبروا أن أردوغان يَنشُد ودّ بوتين عندما اعتمد عبارة "صديقي".

على الرغم من تأثير التقارب الروسي التركي على العلاقات التركية الأمريكية، إلا أن هناك أسبابا أكثر عمقا أدت لإحباط سبل التعاون بين تركيا وشركائها الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد أدركت أنقرة منذ عدة سنوات أن الولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي المؤثرين، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، يشعرون بالقلق إزاء رغبة تركيا في تحقيق مصالحها وتوسيع نفوذها. ونتيجة لذلك، قررت أنقرة أن تنأى بنفسها، وتتجه لخوض تجارب عسكرية جديدة مع روسيا، وعقد شراكات في المجال الاقتصادي مع إيران.

من ناحية أخرى، يعتبر أساس التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا، التعاون الوثيق فيما يتعلق بقضايا "الربيع العربي"، بالإضافة إلى مشاركة تركيا في بعثة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. علاوة على ذلك، ينطوي تحت راية هذا التحالف قرار أنقرة بالانضمام إلى برنامج الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي، فضلا عن مساعدة القوات الأمريكية لتركيا في عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني.

في المقابل، تحولت كل عناصر التقارب بين البلدين في الماضي، في الوقت الراهن إلى عوامل تباعد. وفي هذا السياق، تقع مسؤولية فشل "الربيع العربي" على عاتق القيادة الأمريكية، في حين لم تعد هناك حاجة لأي نوع من التعاون الجدي بين أنقرة وواشنطن في هذا المجال.

في الوقت نفسه، انخفض وجود تركيا في أفغانستان، في حين اتجهت نحو التعاون مع الجانب الروسي لشراء أنظمة صواريخ إس-400. وتتمتع هذه الأنظمة الصاروخية بالقدرة التامة على حماية أمن الأراضي التركية من الأكراد الذين يحظون بدعم أمريكي.

وبناء على هذه المعطيات، ليس من المستغرب انزعاج واشنطن وبروكسل من صفقة الأسلحة بين تركيا وروسيا، علما وأن تنامي الوجود الكردي على الحدود التركية يعد نتيجة مباشرة للسياسة الأمريكية في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن هذا أحد أهم عوامل تدهور العلاقات التركية الغربية.

وفي سياق متصل، يعتبر رفض واشنطن في الظاهر لدعم الاستفتاء للاستقلال إقليم شمال العراق، أمرا غير مقنع بالنسبة للكثيرين وخاصة تركيا. ووفقا للعديد من الخبراء والمحللين، لا يمكن الأكراد العراقيين إجراء استفتاء دون موافقة ضمنية من الأمريكيين. وفي الأثناء، يعارض أردوغان إلى جانب العديد من القوميين الأتراك، بشدة سياسة الولايات المتحدة مع الأكراد.

علاوة على ذلك، يعتقدون أن واشنطن، ومن خلال دعمها للأكراد غير المعلن حتى يقيموا دولة خاصة بهم، تحاول تنفيذ استراتيجية طويلة الأمد لخلق "إسرائيل ثانية" في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الولايات المتحدة عدة أهداف اقتصادية، ولعل أبرز تجَل لذلك، الرغبة في ضم كركوك التركمانية الغنية بالنفط إلى إقليم شمال العراق.

من ناحية أخرى، أثر التخلي عن حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على مستوى العلاقات التركية الغربية. وفي هذا الصدد، يذكر أنه تم حسم هذه المسألة بصفة نهائية من قبل كلا الجانبين.

من جانب آخر، ساهمت طبيعة علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي ورفضها لبعض الالتزامات التقييدية والقواعد التي يفرضها عليها الحلف، والتي تتعلق أولا وقبل كل شيء باستخدام تركيا للقوة العسكرية دون موافقتها على تفكيك الروابط بين المعسكر الغربي وتركيا. فضلا عن ذلك، عززت النوايا التركية بتطوير منتجاتها الدفاعية مخاوف الحلف والغرب عموما.

من هذا المنطلق، ومن وجهة نظر المصالح التركية الفعلية، قد يكون التقارب التدريجي مع جيرانها في المنطقة، أي إيران، والعراق، وروسيا فضلا عن إنشاء منظمات عالمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، واعدا أكثر بالنسبة لأنقرة بالمقارنة مع علاقاتها بالمعسكر الغربي. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس