ترك برس

تكتسب كركوك أهمية خاصة بالنسبة لتركيا، ولم يتردد الناطق باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالِن" في تصريح له في 17 أغسطس/آب 2017 في قوله عن  كركوك "نعم فيها الأكراد وفيها العرب أيضا إلا أن الهوية الأساسية لكركوك أنها مدينة تركمانية".

وتسبب شمول "كركوك" في استفتاء انفصال إقليم شمال العراق، في غضب الجانب التركي، ووصف المتحدث باسم الرئاسة التركية هذا الاستفتاء "بغير الدستوري"، وفقا لتقرير أعدته شبكة "الجزيرة" القطرية.

من جهته، قال زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي -وهو زعيم المعارضة القومية التركية- في بيان إن الأقلية التركمانية العراقية التي تربطها صلات عرقية بتركيا لن تترك لحالها في كركوك.

وأضاف السياسي التركي أن "خمسة آلاف متطوع قومي على الأقل مستعدون وينتظرون الانضمام للقتال من أجل الوجود والوحدة والسلام في المدن التي يقطنها التركمان، خاصة كركوك".

وتعد كركوك من أقدم المحافظات العراقية غنى بالنفط، وتمثل خليطا من الأكراد والتركمان والعرب وقوميات أخرى، وظلت محل توتر مستمر بين الحكومة المركزية في بغداد وأربيل.

وتمتد كركوك على مساحة عشرة آلاف كيلومتر مربع، وتبعد عن بغداد نحو 250 كيلومترا، ويقدر عدد سكانها بنحو مليون ونصف المليون نسمة، بين كرد وعرب وتركمان وقوميات أخرى.

وتمتاز هذه المحافظة بمخزونها النفطي الهائل، وتشير التقديرات إلى أنها تنتج 40% من إجمالي النفط العراقي، و70% من الغاز الطبيعي الذي ينتجه العراق بوجه عام.

وبسبب موقعها الجغرافي وثرائها الاقتصادي، ظلت هذه المحافظة منذ فترة مبكرة من تاريخ العراق الحديث منطقة نزاع وتوتر بين بغداد وأربيل، واستمرت كذلك خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما بعده.

ووضعت كركوك بموجب المادة 140 من دستور العراق الذي أقر في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2005 ضمن ما تسمى المناطق المتنازع عليها بين السلطة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق.

وهي المناطق التي وصفها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحفي عقده في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2017 بأنها مناطق محتلة من قبل الإقليم الذي استولى عليها منذ عام 2003 بشكل تدريجي، مستغلا انشغال القوات العراقية بمحاربة ما أسماه الإرهاب.

ووفقا لهذا البند، تتولى الحكومة الاتحادية ببغداد إدارة هذه المحافظة، لكن الواقع على الأرض يظهر أن الأكراد عملوا ومنذ الاحتلال الأميركي، وحتى قبله، على فرض هيمنتهم عليها، حيث عملت الأحزاب الكردية طوال تلك الفترة على ربطها بالمناطق ذات الأغلبية الكردية، على غرار محافظات كردستان الثلاث: السليمانية، وأربيل، ودهوك

واتسعت هيمنة الأكراد على كركوك في ظل اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية أجزاء كبيرة من شمال وغرب البلاد، حيث تمكنت قوات البشمركة من دخول المحافظة في يونيو/حزيران 2014، بعد طرد التنظيم الذي بقي مسيطرا على مناطق أخرى مجاورة.

ويُتهم الأكراد بإحداث تغيير ديمغرافي في المحافظة العراقية بهدف ضمها لإقليم كردستان، وهو ما أشار إليه أرشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية النائب عن محافظة كركوك بقوله في بيان له في 27 أبريل/نيسان 2017؛ إن السلطات الكردية في المحافظة تعمل على تغيير التركيبة السكانية.

وبحسب الصالحي، فإن تعداد سكان كركوك كان قبل عام 2003 يبلغ 850 ألفا، أما الآن فقد بلغ مليونا و650 ألف نسمة، وأضاف أن هذه الزيادة السكانية تعود إلى الزيادة في "المكون الكردي"، وأن التجاوزات على الأراضي الخاصة والعامة أصبحت أكثر شيوعا.

ورغم الاعتراضات القادمة من حكومة بغداد ومن الكتلتين العربية والتركمانية، أقر مجلس كركوك في أبريل/نيسان 2017 إجراء استفتاء على انضمام المحافظة لإقليم كردستان، وأعلن في الوقت نفسه تمسكه برفع العلم الكردي فوق المؤسسات الحكومية في المحافظة.

وجاء التصويت بالأغلبية بعد اجتماع عقد في مقر مجلس المحافظة، وقاطعته الكتلتان العربية والتركمانية. ويعد إجراء استفتاء في المحافظة إحدى ثلاث خطوات أقرها الدستور العراقي في المادة 140 لتحديد مصير المحافظة، وتبدأ بالتطبيع ثم الإحصاء وتنتهي بإجراء الاستفتاء

كما صوّت مجلس محافظة كركوك في 29 أغسطس/آب 2017 بالأغلبية على مشاركة المحافظة باستفتاء استقلال كردستان، وأيد 24 عضوا من أصل أعضاء المجلس البالغ 41 هذا الخيار، وامتنع اثنان عن التصويت.

وتوالت الخطوات الكردية للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط، بإدراجها من قبل قادة إقليم كردستان ضمن استفتاء الانفصال عن بغداد، الذي جرى في 25 سبتمبر/أيلول 2017، وانتهى بتصويت أكثر من 90% من الناخبين لصالح الانفصال، بحسب النتائج التي أظهرتها سلطات الإقليم الكردي.

وتسببت تلك الخطوات في المزيد من التوتر بين الأكراد وحكومة بغداد، التي عارضت الاستفتاء بحجة معارضته لدستور العراق الذي أقر عام 2005، كما عارضته المكونات الأخرى التي تقطن كركوك، واعتبرت القوى العربية والتركمانية القرار بمثابة "احتلال كردي" وبداية لانقسامات كبيرة.

وقالت الكتلة التركمانية بمجلس النواب العراقي إن "إقحام محافظة كركوك في أتون صراعات قومية لن يجني منه أبناء المحافظة سوى المشاكل والخسران"، واصفة قرار إشراك كركوك في الاستفتاء بالعمل المخالف للدستور العراقي.

بدوره، اعتبر المكون العربي في محافظة كركوك التصويت "في ظل غياب المكونين العربي والتركماني أنه غير دستوري، ولسنا ملزمين بأي إجراءات مستقبلية قد تؤدي إلى تغيير حال المحافظة".

وقال محمد تميم المنسق العام لحزب اتحاد القوى الوطنية والنائب عن كركوك إن سياسة الأمر الواقع التي تحاول حكومة إقليم كردستان فرضها على كركوك سوف تجابه بالخيارات المتاحة للمكون العربي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!