ترك برس

تناول تقرير موسع صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأهداف التي تسعى تركيا إلى تحقيقها من خلال الانتشار العسكري في محافظة "إدلب" السورية ذات الأهمية الاستراتيجية، في إطار اتفاق مناطق "خفض التوتر".

وأشار التقرير إلى أن محافظة إدلب تمثل أهمية خاصة بالنسبة إلى أنقرة، وقد جاءت العملية العسكرية التي أطلقتها مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في إطار مسار أستانا، وباتفاق وتنسيق كاملين مع روسيا وإيران لتحقيق جملة أهداف، أهمها:

- احتواء الكانتون الكردي القائم في منطقة عفرين على الحدود مع تركيا، وقطع طريق تمدُّدِه جنوبًا باتجاه محافظة إدلب، ومنها إلى البحر المتوسط، بحجة مواجهة تنظيم هيئة تحرير الشام.

وتتخوَّف أنقرة من قيام الولايات المتحدة بدفع قوات من وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الكردي – الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني – الموجودة في عفرين، إلى التوجه إلى إدلب بحجة القضاء على هيئة تحرير الشام والسيطرة عليها، في تكرار لسيناريو الرقة ومنبج وغيرهما من المناطق التي تمدد فيها الأكراد بدعم أميركي في شمال سورية وشرقها.

وتعد هذه العملية الثانية التي تشرف على تنفيذها تركيا لمنع اتصال مناطق الأكراد جغرافيًا، ومنع احتمال قيام دولة كردية على امتداد حدودها الجنوبية مع سورية. ففيآب / أغسطس 2016، استغلت تركيا تقاربها مع روسيا الذي أعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد حكومة الرئيس أردوغان، وقامت بإرسال دبابات وقوات خاصة مدعومة بغطاء جوي لمساندة هجوم لفصائل المعارضة السورية على مدينة جرابلس الحدودية في إطار عملية درع الفرات.

وفور استعادة المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية، وجّهت تركيا إنذارًا أعطت فيه قوات سورية الديمقراطية، والتي تمثّل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، مهلة ثلاثة أيام لسحب قواتها إلى شرق نهر الفرات، بعد أن تمكنت بدورها، وبغطاء جوي لقوات التحالف الدولي، من استعادة مدينة منبج ذات الأهمية الإستراتيجية من تنظيم الدولة. وقد تمكنت عملية درع الفرات من السيطرة على نحو 2000 كيلومتر مربع، في مثلث من الأراضي يمتد بين جرابلس والباب وإعزاز.

- منع سيطرة قوات النظام السوري على إدلب؛ إذ قام النظام خلال سنوات من المواجهة مع قوات المعارضة بنقل كل من كان يرفض الدخول في مصالحات محلية إلى إدلب، كما حصل مثلًا مع فصائل داريا وبرزة ومناطق في حمص وغيرها، وصارت وسائل إعلام النظام وحلفائه تشير إلى إدلب بوصفها إمارة إسلامية.

وقد عزز هذا الانطباع سيطرة هيئة تحرير الشام على أغلب المحافظة خلال تموز/ يوليو الماضي، بعد مواجهات مع الفصائل المعارضة المعتدلة وعلى رأسها حركة أحرار الشام. وكانت إستراتيجية النظام تقوم على تجميع هؤلاء المقاتلين مع عائلاتهم في إدلب، والتفرغ بعد ذلك للقضاء عليهم بمساعدة دولية وإقليمية، على اعتبار أن العالم لن يقبل بوجودهم، وسوف يتم التعامل معهم كما تم التعامل مع تنظيم الدولة.

وجاء التدخل العسكري التركي ليلغي احتمال هجوم عسكري لقوات النظام بدعم روسي – إيراني على إدلب، والحفاظ، من ثم، على آخر محافظة تسيطر عليها قوات المعارضة التي شهدت مناطق سيطرتها تراجعًا كبيرًا خلال العامين الأخيرين بعد التدخل العسكري الروسي.

فالنظام كان وما زال يسعى إلى حل عسكري للصراع في سورية، ودخوله إدلب كان يعني القضاء على أي إمكانية متبقية، مهما كانت صغيرة، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية.

- إقامة منطقة آمنة، ومنع حصول تدفق كبير للاجئين إلى داخل الأراضي التركية، نتيجة اندلاع مواجهات عسكرية كبيرة في محافظة إدلب؛ إذ تحتوي إدلب على ما يزيد على مليون لاجئ قدموا إليها من مختلف مناطق الصراع في سورية، إضافة إلى سكانها الذين يقتربون من هذا الرقم.

وفي حال حصول مواجهات عنيفة بين قوات النظام بدعم روسي - إيراني، أو وحدات حماية الشعب الكردية بدعم أميركي للقضاء على هيئة تحرير الشام، فسوف تواجه إدلب مصير حلب أو الرقة، وسوف يؤدي ذلك إلى خروج جماعي للمدنيين باتجاه تركيا التي تحتضن ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري.

وتأمل تركيا أن تؤدي العملية التي تنفذها في إدلب إلى المساهمة في إنشاء منطقة آمنة لملايين اللاجئين داخل الأراضي السورية، في تكرار للتجربة الناجحة للمنطقة الآمنة التي أنشأتها تركيا في جرابلس، بعد قيام فصائل من المعارضة السورية المنضوية تحت غرفة عمليات درع الفرات بتحريرها من داعش بدعم تركي عام 2016.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!