د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

يفرض نفط دير الزور معادلات ميدانية معقدة يمكن إجمالها بالتساؤلات الآتية :

أولا : السباق بين قسد وإيران والنظام السوري للسيطرة على الموارد الهيدروكربونية لدير الزور. 

ثانيا : تناقض الأوليات العسكرية للأطراف المتصارعة على دير الزور كالآتي  :

المحور الأول: ريف دير الزور الجنوبي

يشمل جناح إيران وروسيا وحزب الله اللبناني وجميع الفصائل المسلحة الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية والنظام السوري الذي يسعى للسيطرة على ديرالزور الجنوبي لاستكمال إجراءات ربط الميادين والبوكمال عبر حميمة لأن في استعادتها (دير الزور) ستفتح محورا جديدا إلى البوكمال على الحدود العراقية السورية.

المحور الثاني: وادي الفرات ووادي نهر الخابور في شرق دير الزور

ويضم جناح قوات "قوات سوريا الديمقراطية" والمجلس العسكري لدير الزور ومقاتلي العشائر العربية السنية من عشائر الجبور والعقيدات والمعمرة والمشاهدة والشعيطات .

إضافة إلى لواء المظلة "قوات النخبة" المنسوبة إلى أحمد الجربا وقوات "الصناديد" التي تشكّلت من "قبيلة شمر" و"لواء ثوار الرقة".  وهذه المجموعات مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهدفها تطهير وادي الفرات ووادي نهر الخابور في محافظة دير الزور من تنظيم داعش واستكمال السيطرة على نفط دير الزور.

ثالثا: محاربة داعش هدف مشترك للأطراف المتصارعة على دير الزور

إذ إن محور إيران وروسيا والنظام السوري وحزب الله اللبناني وبقية الفصائل المسلحة الشيعية تريد تحقيق هدفين استراتيجيين. الأول: ربط محطة نقل النفط السورية مع محطة نقل النفط العراقية t1 وt2 لأجل قطع الطريق على تصدير قسد لنفط حقول العمر والسويدية وكونوكو.

والثاني: تحرير القائم وراوة من داعش يعني عمليا وليس افتراضيا استكمال المعبر البري الإيراني لربط حزب الله اللبناني والفصائل المسلحة الشيعية العراقية وغيرها بسوريا عن طريق الحدود العراقية، ويتحقق وصول إيران إلى البحر المتوسط.

الأبعاد الاستراتيجية لربط المحطات النفطية الاستراتيجية  العراقية T1والسورية T2 

تتصل محطة تي 2 مع باقي محطات النفط السورية غربا ومنها إلى ميناء طرطوس  يربطها أنبوب نفطي مع حقل العمر  في ريف دير الزور. وحاليا داعش تتحصن في المحطة تي 2،  لكن قوات نظام الأسد وإيران تقترب من استعادتها وتتقدم نحو الحدود العراقية السورية لفصل المناطق التي يسيطر عليها داعش بين البلدين، والغرض إغلاق ملف إنهاء داعش في هذه المناطق الحدودية المشتركة للبلدين.

وإن إعلان الجيش العراقي والحشد الشعبي عن عملية عسكرية غربي الأنبار لتحرير القائم وراوة وهي آخر معاقل  تنظيم داعش  الهدف منه تأمين الشريط الحدودي العراقي السوري مع الأخذ بالاعتبار أن هذه المعركة لن تكون سهلة لأن القائم وراوة تقعان بمناطق صحراوية، لذلك تمكن داعش منذ عام 2014 من تعزيز مواقعه الاستراتيجية بهذه المناطق عبر ربطها من منطقة البوكمال السورية، وبسبب الطبيعية الصحراوية لهذه المناطق تأخر الجيش العراقي والحشد الشعبي بتحريرها، لأن هناك مستلزمات  يتوجب توافرها وأهمها التنسيق  مع الجانب السوري لبدء عملية عسكرية مشتركة من الجانبين العراقي والسوري وبغطاء جوي من التحالف الدولي.

وبعد السيطرة على القائم وراوة سوف يتحقق الآتي :

أولا: التقاء الجيش العراقي والحشد الشعبي بقوات الجيش السوري وحزب الله اللبناني بمنطقة البوكمال السورية أي من خلال ربط الميادين والبوكمال عبر حميمة لأن استعادتها (دير الزور) ستفتح محورا جديدا إلى البوكمال على الحدود العراقية السورية.

ثانيا :استكمال المعبر البري الذي يربط حزب الله اللبناني بسوريا عبر العراق وبالتالي تصبح الحدود العراقية السورية مؤمنة بشكل كامل من تنظيم داعش لأن مشاركة التحالف الدولي بمعركة غرب الأنبار لاستكمال تحرير القائم وراوة سيجعل موقف داعش عسكريا صعبا لأنه سيكون محاصرا بين محورين السوري من جهة البوكمال وعراقيا من جهة القائم.

عمليات غرب الأنبار لتحرير القائم وراوة وربطها مع البوكمال

سيطر النظام السوري على حي الصناعة وحويجة صكر شرقي دير الزور، وتوجه نحو حي الحويقة في شمال غرب دير الزور مع قصف جوي روسي عنيف، وبالمقابل شن تنظيم داعش هجوما على جيش النظام السوري في محطة تي 2 بريف دير الزور الشرقي، في حين يحاول الجيش السوري استكمال التوجه إلى البوكمال ومقابلة الجيش العراقي والحشد الشعبي  في منطقة القائم.

وبالمقابل يتحرك الجيش العراقي والحشد الشعبي ضمن أربعة محاور لمقابلة الجيش السوري في البوكمال. وكالآتي :

- محور رئيسي يمتد إلى عكاشات، انطلق منه الحشد الشعبي لمسافة 35 كيلومتر باتجاه جنوب غرب القائم.

- محور شرق عكاشات لتأمين طريق شمال الرطبة وبعض المناطق الاستراتيجية القريبة منها والسيطرة على H1.

- محوران انطلقا من عانة وراوة باتجاه النهر وسكة القطارات لمسافة 30 كيلومترا باتجاه القائم.

حقول العمر والسويدية وكونوكو والسباق بين قسد وإيران والنظام السوري للسيطرة على الموارد الهيدروكربونية لدير الزور

حقل العمر النفطي

كان حقل العمر النفطي يوفر سابقا عائدات مالية لداعش بعد سيطرته على ريف دير الزور مقدارها 30 مليون دولار شهريا، انخفضت منتصف عام 2014إلى 15 مليون دولار شهريا بسبب غارات التحالف الدولي الآن. بعد سيطرة قسد على حقول العمر النفطية  خسر داعش أحد أهم موارده المالية، بحيث أن العناصر والمرتزقة المعتمدون على عائدات النفط بدؤوا يهربون من صفوفه، وبخسارة حقل العمر النفطي خسر داعش المال والقوة البشرية وأصبح محاصرا بمنطقة تي2 السورية، واحتمال تطهير هذه من قبل الجيش السوري قريبا مما يدفعه (داعش) للتوجه إلى البوكمال ومنها للأراضي العراقية في القائم وراوة. 

قسد وحقل كونوكو  أو معمل غاز دير الزور

في 23 أيلول/ سبتمبر 2017، استولى "مجلس دير الزور العسكري" على "معمل غاز دير الزور" (المعروف أيضاً باسم حقل كونوكو)، الذي كان ينتج نحو 5 ملايين متر مكعب في اليوم منذ عام 2013. 

ويوفر هذا المعمل الإمدادات لمحطة جندر لتوليد الكهرباء جنوب حمص، التي كانت تعد ثالث أكبر محطة في البلاد قبل الحرب. 

قسد وحقل السويدية

تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" على أكبر حقول النفط في سوريا، "حقل السويدية" (الذي كان ينتج104 آلاف و400 برميل يومياً في عام 2011. 

خيارات قسد بتصدير نفط حقول دير الزور ومبررات استماتة قسد وحزب العمال الكردستاني بالدفاع عن مناطق شمال زمار وربيعة قرب معبر فيشخابور

تسعى إيران وروسيا إلى دعم النظام السوري عسكريا لاستكمال السيطرة على حقول دير الزور، لأن السماح لقسد بميزة السيطرة على الموارد الهيدروكربونية يعني عمليا تكرار تجربة داعش، لأن هذه الحقول ستوفر دعما ماليا لقوات قسد وتجعل النظام السوري يعاني من فقدان عائدات مالية ممكن أن تعزز وضعه الاقتصادي والمالي، وبنفس الوقت تزايد أزمة توفير الكهرباء نتيجة نقص الغاز.

ففي آب/ أغسطس 2017، صرّح وزير الكهرباء زهير خربوطلي لصحيفة "الوطن" بأن إنتاج الكهرباء المحلي انخفض إلى 2400 ميغاواط، بالمقارنة مع 7100 قبل الحرب، وإن وزارته كانت تتلقى أقل من نصف الكمية التي تحتاج إليها يومياً من الوقود الثقيل والغاز البالغة 10 آلاف طن و20 مليون متر مكعب على التوالي.

وبما أنه يتمّ تخصيص 90 في المئة تقريباً من إنتاج الغاز السوري لتوليد الكهرباء، فقد اضطر النظام إلى التواطؤ مع تنظيم داعش خلال السنوات التي سيطر فيها التنظيم على الحقول الشرقية في دير الزور. وعليه فإن الواقع يؤكد أن النظام السوري لن يرضى بتكرار التجربة بشراء الغاز والنفط من قسد.

وفي المقابل، يريد النظام السوري  الحصول على الغاز بأي ثمن من حقول سوريا الشرقية من أجل تخفيف النقص الحاد في الطاقة.

وفي سياق متصل، صرّح زعيم الميليشيا الكردية "وحدات حماية الشعب" سيبان هامو لصحيفة "الشرق الأوسط بأن الضربات الجوية الروسية خلال أيلول/ سبتمبر 2017 كانت بمثابة "إعلان حرب.

وبدوره، أضاف بخصوص حقول النفط في دير الزور: "لن نتردد في صدّ أي محاولة استفزازية أو اقتراب من المناطق الخاضعة لسيطرتنا وخاصة الحقول النفطية." ووفق "المسح الاقتصادي للشرق الأوسط" (ميدل إيست إيكونوميك سرفي) فقد استولت قسد على حقول تملكها "شركة دير الزور للنفط" التي يديرها اتحاد الشركات الفرنسي "توتال". 

ويبقى أمام قسد بدائل محدودة لتصدير نفطها وأبرزها الآتي :

أولا: ميناء طرطوس

إذا أعيد فتح خط الأنابيب الرئيس إلى المحطة الساحلية السورية بانياس، قد تتمكن  الإدارة الذاتية الكردية السورية من بيع النفط الذي استولى عليه في حقول العمر والسويدية وكونوكو لنظام الأسد. 

في النهاية دمشق سترضى بالتأكيد لدفع ثمن النفط لقسد. مثلما فعلت مع داعش سابقا. ولذلك لاعتبارين :

- الحصول على الغاز بأي ثمن من حقول سوريا الشرقية من أجل تخفيف النقص الحاد في الطاقة.

- وجود محطة تي 2  السورية سيسهم في تسهيل نقل نفط دير الزور إلى ميناء طرطوس. وهنا تكمن أهمية محطة تي 2 لأنها محطة لنقل النفط السوري في دير الزور، وكونها النقطة الوحيدة التي تتصل مع محطة تي 1 في العراق. وتتصل محطة تي 2 مع باقي محطات النفط السورية غربا، ومنها إلى ميناء طرطوس يربطها أنبوب نفطي  مع حقل العمر في ريف 

ديرالزور.

وداعش تحصن في المحطة تي 2 حاليا، لكن قوات الأسد وإيران يقتربون من استعادتها ويتقدمون نحو الحدود العراقية  لفصل المناطق التي يسيطر عليها داعش بين البلدين والتقدم  باتجاه  المحطة الثانية بريف دير الزور الجنوبي.

ثانيا: البديل الاستراتيجي الامثل  لنقل نفط قسد  سيكون عبر خط الأنبوب الكردستاني الجديد  في إقليم شمال العراق مع وجود أنبوب نفطي قرب معبر فيشخابور قرب المثلث الحدودي العراقي السوري التركي. وتكمن أهمية هذا الخط بنقل النفط من العراق إلى ميناء جيهان التركي.

وسيطرت قوات البيشمركة في إقليم شمال العراق على خط أنابيب النفط الممتد من محافظة كركوك مرورا بالموصل  في محافظة نينوى شمال العراق  في أعقاب الفوضى التي تبعت الهجوم لتنظيم داعش في عام 2014.

ونهاية عام 2013  أقدمت حكومة الإقليم على مد خط مواز إلى نقطة الالتقاء في منطقة فيشخابور مرورا بأربيل ودهوك قطعت بموجبه الأنبوب الممتد  من كركوك منذ الثمانيات وربطت الخط الجديد بالأنبوب العراقي الذي تمر عبره جميع  الصادرات العراقية النفطية الشمالية إلى ميناء جيهان التركي.

وهذه الحقيقة الميدانية ربما تفسر الأسباب الحقيقية  لاستماتة البيشمركة وقسد وحزب العمال الكردستاني بالدفاع عن مناطق  شمال زمار  وربيعة، لوجود أنبوب نفط تم إنشاؤه بعد ضرب الطائرات الروسية لصهاريج تهريب النفط من سوريا والعراق، ويربط حقول  رميلان وكراتشوك بالأراضي السورية مع حقول الصية العراقية التي يتم من خلالها نقل النفط الخام من تلك الحقول  إلى حقل الصية العراقي وتصديره كجزء  من النفط العراقي بعد شرائه من قسد وحزب العمال الكردستاني !!!

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس