ترك برس

تناول المحلل السياسي الروسي، دينيس جايفسكي، في مقال بموقع أوراسيا ديلي التطورات الأخيرة في العلاقات التركية الروسية الأوكرانية، منوها إلى أن الشراكة الاقتصادية والسياسية بين موسكو وأنقرة لن تكون على حساب العلاقات بين أنقرة وكييف، وأن تركيا يمكن أن تكون وسيطا نزيها ومقبولا من الطرفين الروسي والأوكراني.

ويرى جايفسكي أن الدعم العالمي لأوكرانيا بعد أحداث الميدان الأوروبي قد تراجع كثيرا باستثناء بعض الدول الداعمة لسياسة كييف مثل دول البلطيق وبعض شركاء الاتحاد الأوروبي في شرق أوروبا وتركيا، حيث زار الرئيس أردوغان كييف فى أوائل تشرين الأول/ كتوبر لحضور الاجتماع الرابع لمجلس التعاون التركي الأوكراني، كما توسط أردوغان لإطلاق سراح اثنين من قادة التتار البارزين في القرم هما علمي عمروف وأختيم تشيغور، من السجون الروسية وعودتهما إلى كييف.

بدأ "شهر العسل" الأوكراني التركي في أواخر صيف 2015 عندما تدهورت العلاقات بين تركيا وروسيا. وخلال تلك الفترة تبادل الجانبان الزيارات ونظما مناورات مشتركة وناقشا مشروعات الطاقة والفضاء المشتركة، كما قدمت تركيا المساعدات لتتار القرم، ولكن عندما أعاد الأتراك اتصالاتهم مع الروس وأبرموا مشروع السيل التركي، أصبحوا أقل نشاطا في أوكرانيا.

ما تزال كييف شريكا اقتصاديا كبيرا لتركيا، وواحدة من أكبر خمس مستوردين للصادرات التركية. وفي آذار/ مارس 2017، حدد رئيس الوزراء الأوكراني، فولوديمير غروسمان ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم هدفا طموحا لتوسيع حجم التجارة الأوكرانية التركية لتصل إلى 20 مليار دولار. وتوصل البلدان إلى اتفاقيات لتكثيف النقل البحري والجوي. كما وقع البلدان اتفاقية في مجال السياحة تسمح للمواطنين في كلا البلدين بإجراء زيارات متبادلة بين تركيا وأوكرانيا بموجب البطاقة الشخصية (الهوية) فقط، دون الحاجة لجواز سفر أو تأشيرة سياحية.

وتعد قضية تتار القرم إحدى القضايا الخاصة في العلاقات التركية الأوكرانية، حيث تعدهم تركيا جزءا من العالم التركي، وتقدم الدعم لمجلس تتار القرم، فالتقى الرئيس أردوغان وفدا تتريا مكونا من رفعت تشوباروف، مستشار الرئيس الأوكراني،  ومصطفى جاميلوف الزعيم التاريخي لتتار القرم والنائب في البرلمان الأوكراني، خلال المؤتمر العالمي الثاني لشعب تتار القرم، وأخبرهم أن تركيا لن  تعترف بضم روسيا لشبه الجزيرة، وهي مسألة تثير حفيظة الكرملين.  

ينظر الرئيس أردوغان إلى أوكرانيا والقرم وتتار القرم، كما يقول الكاتب، على أنها أيضًا ملفات ضغط على الروس. ويبدو أن الرئيس التركي لا يريد أن يكون معتمدا أكثر مما ينبغي على روسيا، ويسعى إلى إظهار أن لديه مجالا كافيا للمناورة في  السياسية الخارجية.

تلعب تركيا في الوقت الحالي دورا كبيرا في عملية السلام السورية، وهي وشريك اقتصادي كبير لروسيا، حيث توجد بينهما مشاريع مشتركة ضخمة في مجال الطاقة، مثل مشروع السيل التركي، ومحطة الطاقة النووية في أك كويو. وقد وقع البلدان صفقة لشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400، وفي  خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي نما حجم التجارة التركية الروسية بنسبة 31.5٪ ليصل إلى 11.1 مليار دولار.

في غضون ذلك، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم عفوا عن علمي عمروف وأختيم تشيغور (وهذا الأخير لديه جواز سفر روسي على الرغم من أن جوازات السفر الروسية غير معترف بها في أوكرانيا)، وغادرا القرم إلى تركيا حيث التقيا الرئيس أردوغان، ثم ذهبا إلى كييف. وهذا يعني فقط أن أردوغان تصرف كوسيط بين كييف وموسكو.

وفي الآونة الأخيرة أيضا أشارت الأنباء إلى أن رئيس مجلس شركة "روس نفت" الروسية، المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر، قد ظهر كوسيط في المحادثات مع السلطات التركية بشأن الناشط الحقوقي المعتقل بيتر ستيودتنر. وذكرت مجلة دير شبيجل أن شرودر اجتمع مع أردوغان بناء على طلب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل وبموافقة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. هل هذا يعني أن روسيا وتركيا وبرلين تمكنت من التوصل إلى اتفاقات مفيدة للطرفين؟ سوف تظهر خطواتهم التالية ذلك.

ويرى الكاتب الروسي أن عودة عمروف وتشيغور إلى كييف قد تكون تكتيكا روسيا لخفض التوتر مع أوكرانيا، ولتسوية الصراع في  منطقة دونباس واستعادة اتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي. وقد أظهر الكرملين، من خلال إطلاق سراح الرجلين أنه مستعد لعمليات تحرير متبادلة خارج إطار مفاوضات مينسك. ولكن ذلك كله يتوقف على من هو المفاوض/ الوسيط، وقد أظهر بوتين حين استجاب لوساطة أردوغان بإطلاق سراح الزعيمين التتريين أنه مستعد للتفاوض فقط مع الأشخاص الذين يعدهم ندا له ويستحقون التفاوض معهم.

ويخلص جايفسكي للقول إن العلاقات بين كييف وأنقرة وموسكو هي معادلة تشهد كثيرا من المتغيرات، وإن الحالة الراهنة للعلاقات الأوكرانية - التركية، والروسية - التركية تدفع الطرفين إلى التفاؤل بعناية. ولكن علينا الانتظار لنرى كيف تتطور هذه القصة السياسية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!