ترك برس

يرى خبراء ومحللون سياسيون أن البعد الإنساني يعطي تركيا "رصيدا إيجابيا من القوة الناعمة بشكل عام"، وأن مسارعة أنقرة لإغاثة سكان إقليم شمال العراق عقب الزلزال الذي ضرب الحدود العراقية الإيرانية نبعت من حقوق "الجيرة والأخوة".

يفصل كثير من الأتراك بين مواقف بلادهم السياسية ودورها الإغاثي المتنامي خارج الحدود، رافضين إدراج ما تقدمه من مساعدات خارجية في خانة سياسة "القوة الناعمة"، بحسب تقرير لشبكة "الجزيرة" القطرية.

لكن تصريحات رئيس وزراء إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني التي شكر فيها تركيا باعتبارها أول من مد يد العون للإقليم عقب الزلزال الذي ضربه مساء الأحد الماضي، قوبلت بارتياح كبير في كثير من الأوساط التركية.

واعتبرت وسائل الإعلام التركية تصريحات البارزاني إشارة على رغبة إدارة الإقليم في فتح صفحة جديدة مع أنقرة، بعد فشل أربيل في تحقيق أهدافها من خلال الاستفتاء على الانفصال الذي عارضته بشدة تركيا ودول أخرى في المنطقة.

فبعد ساعات قليلة من الزلزال، أرسلت تركيا قوافل مساعدات إنسانية وفرق بحث وإنقاذ عبر الجو والبر لمساعدة المتضررين، في خطوة التقطها البارزاني السّاعي لتجاوز أزمة الاستفتاء مع دول الجوار بسرعة أيضا.

وقال المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، إن تركيا تضع في الحسبان أن الأكراد هم أشقاء، كما يشكلون جزءا كبيرا أيضا من شعبها، معتبرا أن ذلك يزيد من واجبها لمساعدتهم، خلال تصريحاته لشبكة الجزيرة القطرية.

وأكد أوكتاي أن الإشارة التركية والرد الكردي عليها قد يسهمان في خفض التوتر الذي شاب علاقات الجارين منذ استفتاء الانفصال في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، لكنه أكد أن أي انفراج حقيقي في العلاقات مرهون باستجابة أربيل للشرط التركي بإلغاء نتائج الاستفتاء، والعمل تحت سيادة بغداد وسقف الدولة العراقية.

وسبق للتدخل الإغاثي التركي أن ساهم في ترطيب علاقات تركيا الدبلوماسية المتوترة في أكثر من محطة إقليمية، من بينها مساهمتها في إخماد حرائق ضخمة في جزيرة قبرص اليونانية في يونيو/حزيران 2016، وأخرى في إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

وقال محمود الرنتيسي الباحث في العلاقات الدولية بمركز "ستا" التركي إن البعد الإنساني يحضر في السياسة التركية، خاصة في الجانب الإغاثي، ولفت إلى توجه رئيس هيئة الكوارث التركية على رأس وفد إلى السليمانية في ذات الليلة التي وقع فيها الزلزال.

وأوضح الرنتيسي أن البعد الإنساني يعطي تركيا "رصيدا إيجابيا من القوة الناعمة بشكل عام، كما أنه يمحو -في حالة إقليم شمال العراق- أي آثار سلبية لتصريحات تركيا حول حصار الإقليم بعد عملية الاستفتاء".

وفي المقابل، أشار الرنتيسي إلى إمكانية قراءة تصريحات نيجيرفان البارزاني على أنها مقدمة لمحاولة طرق البوابة التركية ثانية، بعد محاولة سابقة رفضتها تركيا من الإقليم لإرسال وفد للتباحث معها.

كما قال الرنتيسي إن تركيا وضعت سلما للنزول عن شجرة الخلاف مع أربيل بعدة خطوات، منها الدعوة لإلغاء نتيجة الاستفتاء ثم حديث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن ضرورة إعطاء الإقليم مهلة للتراجع عن خطأ الاستفتاء، ومحاولة الدخول في عملية الوساطة التي قامت بها فرنسا بين أربيل وبغداد.

وأشار إلى أن البارزاني يدرك أن وضع أربيل قد انحدر في ضوء المواقف الدولية منها، خاصة جراء مواقف تركيا والعراق وإيران، وهو لذلك يبحث عن أي فرصة لاستعادة الثقة المنهارة مع تركيا، ولا سيما بعد خسارة الإقليم محافظة كركوك، وبعض إمكاناته النفطية، وتزايد الخلاف الداخلي.

وتحتل تركيا المرتبة الثانية عالميا في حجم المساعدات الإنسانية الخارجية بستة مليارات دولار سنويا، ولا يتقدمها في ذلك إلا الولايات المتحدة بقيمة 6.3 مليارات دولار. ويصف مسؤولون أتراك بلادهم بأنها الأولى عالميا على صعيد المساعدات الإنسانية الخارجية عند مقارنة حجم المساعدات التي تقدمها بدخلها القومي.

وقال وزير الخارجية التركي في تصريحات صحفية الشهر الماضي إن تركيا -التي تحتل المرتبة الـ17 عالميا والسادسة أوروبيا من حيث القوة الاقتصادية- ستحتل المرتبة الأولى عالميا في حجم المساعدات هذا العام.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!