أحمد عبد الرحمن - خاص ترك برس

اشتهر دراكولا في السينما العالمية على أنه رجل يتغذى على الدماء، ينام في التابوت نهاراً وينشط ليلاً، ويخاف من الرهبان الذين يمسكون بأيديهم صلباناً فضية لا يقوى على النظر إليها، وغير ذلك من الخرافات التي لا تمت للواقع بصلة، فدراكولا شخصية حقيقية عاشت في القرن الخامس عشر وإجرامها فاق كل حدود الوصف حتى أن شخصية دراكولا السينمائية تبدو ملائكية مقارنة بشخصيته الحقيقية التي لم يوقفها عند حدها الرهبان كما في الأفلام، وإنما قضى عليها في الحقيقة بطل مسلم اسمه محمد الفاتح. 

دراكولا هو الأمير الروماني فلاد تيبيس (فلاد الثالث)، ويعني لقبه الشهير دراكولا: ابن التنين في اللغة الرومانية القديمة، وابن الشيطان في اللغة الحديثة.

ولد في رومانيا الحالية في شهر نوفمبر/ تشرين ثاني 1431م في مدينة سيغيوشوارا. في سنة 1433م اعترف والده أمير الأفلاق الملقب بدراكول أي التنين بسيادة الدولة العثمانية، تخلصاً من حرب كان يدرك خطورة نتائجها عليه، غير أن هذا الخضوع كان  ظاهرياً ومؤقتاً، فسرعان ما انضم إلى أمير الصرب  بتحريض من ملك المجر، وأعلنا الحرب على السلطان مراد الثاني، الذي حاربهما وانتصر عليهما. ونتيجة لذلك عقد اتفاق بين السلطان وفلاد الثاني وبموجب هذا الاتفاق، أرسل الأخير ولديه (فلاد، ورادو) كرهينتين إلى السلطان. وكانت معاملة السلطان للولدين حسنة جداً حتى أن رادو أصبح صديقاً حميماً لابن السلطان مراد محمد الفاتح والذي بدوره لم يكن على علاقة طيبة مع أخيه فلاد.

كان فلاد وأخوه رادو يتدربان مع الانكشارية، وتعلما اللغة التركية. في عام 1447م سمح العثمانيون لفلاد (دراكولا) بالعودة إلى بلده بعد مقتل أبيه وأخيه الأكبر على يد مجموعة من النبلاء الطامحين للسلطة وبقي (رادو) في كنف السلطان محمد الفاتح.

تمكن  دراكولا  في عام 1456م من استعادة ملك والده بدعم ومساندة من العثمانيين، ولكنه سرعان ما انقلب عليهم.

في سنوات حكمه الأولى لم يقم  الكونت دراكولا بشيء ينفر رعيته منه، لكنه وبعد انقلابه على العثمانيين أظهر وجهه القميء، فقد كان سفاحاً لا يمكن لعقل بشري تصور إجرامه وحبه لسفك الدماء، فابتدع له خياله المريض وسائل للقتل لا تخطر ببال عاقل، فقد كان من أحب الأشياء إلى نفسه أن يتأمل وينظر إلى مشاهد التعذيب والآلام ويطرب لسماع أنات المعذبين. وكان لا يتناول طعامه مع رجاله إلا وحوله رماح والناس منصوبون عليها يئنون حتى الموت وكانت تلك وسيلته المفضلة في القتل، حيث يدق وتداً مدبباً (خازوق) في مؤخرة الضحية ليخرج من رأسه، ولذلك سمي باسم (ذو الأوتاد). وكان كثيرا ما يأمر بسلخ أقدام الأسرى من المسلمين، ويدعك اللحم الحي بالملح، ثم يؤتى بالماعز لتلعق الملح إمعاناً في زيادة الألم. وصلت للسلطان محمد الفاتح أخبار هذه الفظائع التي يندى لها جبين البشرية وبالأخص بحق المسلمين، فأسرع السلطان محمد لقيادة جيشه والتوجه إلى هذا المختل.

عندما اقترب السلطان من حدود إقليم الأفلاق (رومانيا)، أرسل دراكولا وفداً إلى السلطان الفاتح يعرض فيه الخضوع للدولة العثمانية، ودفع جزية سنوية، والالتزام بكافة الشروط التي نصت عليها معاهدة سنة (1393م) المبرمة بين أمير الأفلاق آنذاك والسلطان مراد الثاني، فقبل السلطان الفاتح ذلك.

لكن سرعان ما تبين أن العرض المقدم من قبل دراكولا لم يكن سوى مناورة تهدف إلى كسب الوقت وإكمال استعداداته القتالية بالتنسيق مع ملك المجر لشن حرب على المسلمين. وعندما علم السلطان الفاتح بنيته، أرسل مندوبين من قبله لاستيضاح حقيقة الموقف، فما كان من  دراكولا  إلا أن ألقى القبض عليهما، وقتلهما بوضعهما على رمح خشبي، وأغار بعدها على بلاد بلغاريا التابعة للدولة العثمانية فقتل وسبى ونهب وعاث فساداً وأسر جمعاً كبيراً من المسلمين. فأرسل إليه السلطان رسلاً لمفاوضته من أجل إطلاق سراح الأسرى، عندما مثل الرسل أمام دراكولا أمرهم بخلع عمائمهم فأبوا ذلك فقال لهم: "حسناً سأكفيكم مؤونة هذا العمل إلى الأبد"، وأمر بدق عمائمهم على رؤوسهم بالمسامير وهم أحياء. وأمر بتعليقهم وجميع أسرى المسلمين على الرماح. بعد هذا الفعل الشنيع قرر الفاتح الانتقام للشهداء وسار إليه بجيش عظيم فر أمامه دراكولا هارباً.

لم يستطع الجيش العثماني مواصلة مطاردته  بسبب انتشار الأوبئة والأمراض نتيجة للجثث المتعفنة المنتشرة في كل مكان، فأرسل مجموعة من خيرة جنود الإنكشارية والسباهية على رأسها الأمير “رادو” أو راؤول شقيق دراكولا الذي ظل مخلصا للسلطان محمد الفاتح  لمطاردة هذا السفاح.

حاصر رادو بجيش الإنكشارية قلعة برن معقل دراكولا وعلم هذا الأخير أنه مهزوم لا محالة، ففر هارباً بمساعدة الغجر، وما لبث أن وقع أسيراً بيد ملك المجر. جلس رادو على عرش الأفلاق (رومانيا) بعد هرب دراكولا وأرسل للفاتح يبشره بالنصر، واستمر حكمه لغاية عام 1475م حين توفي فجأة. فأطلق المجريون ”فلاد دراكولا” من الأسر ودعموه بقوة من الجيش لاسترداد الأفلاق من العثمانيين وفوراً تحرك الجيش العثماني لمواجهتهم وجرت المعركة الفاصلة بالقرب من بوخارست وحقق فيها العثمانيون نصراً ساحقاً، وقتل دراكولا في المعركة وأرسل رأسه إلى إسطنبول.

وأمر الفاتح بدفن جثته بغير جنازة وتعليق رأسه ليكون عبرة لغيره. والجدير بالذكر أنه ورغم كل هذه السادية والوحشية التي لا تمت لأي دين من الأديان بصلة، والتي استخدمها دراكولا ضد شعبه المسيحي قبل أي أحد آخر، نرى أن الممالك الغربية المسيحية في ذلك الوقت لم تحرك ساكناً ضده وفضلاً عن ذلك نجد أن رجال دين تناسوا كل فظائعه وامتدحوه، لا لشيء وإنما لأنه يحارب العثمانيين المسلمين. وهو أمر ما تزال بعض الدول الغربية تفعله حتى يومنا هذا فهي ترفع شعار حماية حقوق الإنسان وتستخدمه كشماعة ضد من يقف في وجه مشاريعها، وبالمقابل تدعم وكلاءها المستبدين في كل ما يفعلونه تجاه شعوبهم التي تتطلع إلى الحرية والتي ترفض هيمنة هذه الدول على مقدرات بلادها، حقاً لقد مات دراكولا لكن من صنعه ما زال حياً يرزق…

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!