ترك برس

استلام تركيا جزيرة سواكن بغرض إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة محدودة بعد موافقة السودان على ذلك، هيّج أمواج البحر الأحمر والقرن الأفريقي وحولها إلى منطقة ساخنة سلّطت الأنظار عليها، لتكون مفتوحة للسباق على النفوذ والسيطرة بشكل غير مسبوق. حيث باتت دول كثيرة تبحث لها عن موطئ قدم لمد نفوذها عبر قواعد عسكرية أو موانئ تجارية.

وبحسب خبراء فإن هذا السباق ما هو إلا مرحلة أولى في طريق مزيد من التوسع والتمدد لبعض الدول خارج أراضيها وتعزيز وجودها على ضفتي البحر الأحمر. لكنَّ غياب مشروع عربي مشترك لاستثمار المكانة الاستراتيجية للبحر الأحمر فتح الباب أمام مشاريع توسع فردية لبعض الدول العربية ودخول قوى إقليمية ودولية أخرى لملء الفراغ.

هذا ما ناقشته حلقة أمس الخميس من برنامج "سيناريوهات" على شاشة قناة الجزية القطرية، حيث تناولت أبعاد السباق المحموم على النفوذ في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وانعكاساته على مستقبل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. ورأت أن التنافس الإقليمي والدولي في البحر الأحمر ليس بجديد، لكن الأوضاع المضطربة بالمنطقة والفشل في إدارة الخلافات بين دولها، عزز المخاوف من أن تؤدي هذه المنافسة المحتدمة إلى تأجيج الخلافات القائمة وربما إشعالها.

وفي هذا الإطار عرضت الحلقة ثلاث سيناريوهات محتملة لهذا الصراع، أولها أن تسعى الدول الإقليمية والدولية لتعزيز نفوذها وتوسيعه في المنطقة، والثاني وصول الأوضاع إلى حد تأجيج الخلافات بين هذه الدول المتنافسة بسبب تضارب المصالح والأجندات، أما السيناريو الثالث فهو أن تصل هذه الدول إلى التعاون والتنسيق كخيار أمثل لكل الأطراف حفاظا على مصالحها وعلى أمن المنطقة واستقرارها.

في هذا الإطار يقول الخبير التركي في الشؤون الأفريقية "كاني طوران" إن تركيا ليست لاعبا ولا ساعيا للنفوذ في المنطقة كما هو الحال مع البلدان الأخرى، وإن جزيرة سواكن فيها مبانٍ تعود إلى العهد العثماني حيث ستتولى مؤسسات التطوير التركية تطويرها وترميمها بالاتفاق مع الحكومة السودانية.

وأضاف الخبير التركي أن هذه الجزيرة كانت تستخدم عقب الحكم العثماني مركزاً لتقديم الخدمات للحجاج، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إن هذه الوظيفة يمكن إحياؤها مرة أخرى في المستقبل بعد ترميم المباني، وستصبح الجزيرة منطقة جذب سياحي، مؤكداً أن اهتمام أنقرة بالمنطقة ليس جديدا، فمنذ بداية الألفية الحالية ولديها خطط جديدة لتطوير سياساتها الخارجية، وخاصة فيما يتعلق بأفريقيا، حيث فتحت سفارات جديدة وقامت بعمل إغاثي إنساني، إضافة إلى ممارسة نفوذ اقتصادي.

من جانب آخر قال الكاتب الصحفي المصري رجب الباسل إن هناك لاعبين موجودين سيحاولون تدعيم وجودهم في المنطقة مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك بالنسبة للوجود الإقليمي مثل الإمارات، مضيفاً أن هناك لاعبين جدد ربما يدخلون بشكل مباشر سعيا للحصول على نفوذ في المنطقة مثل الصين المرشحة لدور قوي في الفترة المقبلة.

واعتبر الكاتب المصري أن الانسحاب العربي من المنطقة أغرى دولا أخرى بإنشاء موطئ قدم لها، كما أن الدول الكبرى تحاول حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة، حيث يمر بالبحر الأحمر 3.3 ملايين برميل نفط يوميا، زيادة على التجارة الأخرى، فضلا عن القوات والقواعد التي تنشئها بعض الدول في إطار الحرب على الإرهاب.

بدوره اعتبر الدكتور أحمد المفتي الدبلوماسي السوداني وعضوها السابق في مفاوضات حوض النيل وخبير في القانون الدولي، أن الاهتمام التقليدي بالبحر الأحمر كممر للتجارة الدولية تغير الآن تماما، موضحاً أن هناك حاليا ثلاث بؤر للصراع والتنافس على النفوذ، أولها الحرب في اليمن، وثانيها الحصار على قطر، وأخيرا التحرك المصري فيما يتعلق بحلايب وسد النهضة.

واختتم الدبلوماسي السوداني القول بالإشارة إلى أن الصراع على النفوذ في المنطقة جذب دولا أخرى مثل تركيا وروسيا، مشيرا إلى أن الوجود التركي في جزيرة سواكن السودانية، حتى وإن كان تجاريا، سيخلق حساسية شديدة من السعودية ومصر، بالنظر إلى الأهمية التي توليها السعودية للبحر الأحمر في حربها باليمن، فضلا عن خلافاتهما مع قطر التي تدعمها تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!