د. عمر بولاط - خاص ترك برس

"التّطور الذي طرأ على الاقتصاد التركي الذي كان مُنهاراً قبل 12 عام، إلى جانب العديد من الإصلاحات الديمقراطية، والحريّة والسياسة الخارجية النّاجحة، من شأن ذلك كله أن يوصل تركيا إلى الأهداف المنشودة لـ"تركيا الجديدة" في العام 2023"، 

فقد تولّت حكومة حزب العدالة والتنمية قيادة الدّولة التركية منذ عام 2002 عن طريق انتخابات ديمقراطية نزيهة، حصلت خلالها على تأييد أغلبية الرأي العام في الشارع التركي، وما زالت تتابع دربها وتبعث الأمل في نفوس المواطنين من أجل تطوير البلاد نحو الأفضل.

هناك أشياء كثيرة يمكن قولها عن الاقتصاد التركي خلال فترة حكم العدالة والتنمية. ولكن يجدر في هذا الصّدد إجراء مقارنة للوضع الاقتصادي في تركيا قبل 12 عاماً، بالوضع الاقتصادي الرّاهن. بحيث يتمّ شرح الوضع التركي قبل 12 عاماً بكلّ شفافيّة وموضوعيّة، للشّباب الأتراك اليافعين الذين يفوق عددهم 35 مليون شابّاً، والذين لم تتسنّى لهم فرصة مشاهدة تلك الفترة بأعينهم.

وكما قال الأستاذ "الشيخ أدبالي" الذي كان مُعلِّم مُؤسّس الإمبراطورية العثمانية "عُثمان غازي": "من لا يعرف ماضيه، لا يمكنه بناء مستقبله".

وفي هذه المقالة سنتناول البيئة الدولية المحيطة بالدولة التركية إلى جانب الوضع الاقتصادي لتركيا ما قبل عام 2003، على أن تتناول مقالتان تاليتان الاقتصاد التركي خلال 12 عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية والتّحدّيات والفرص التي تنتظر الاقتصاد التركي. كما من المُفيد تذكّر الأحداث والتّطورات التي جرت في الجوار التّركي، قبل الخوض في التّحليلات الدّقيقة للاقتصاد التركي.

أشاد القائد الفرنسي الشّهير "نابليون بونابرت" بالدّور التّركي في العالم بقوله: "لو كانت الدّنيا دولةً واحدة، لكانت عاصمتُها مدينة إسطنبول". وهذا يدلّ على أنّ تركيا لعبت دوراً مركزياً عبر عصور طويلة، ولهذا السّبب نفسه نجد أنّ الحروب والاختلافات لا تنتهي في الدّول المجاورة.

خلال 11 سنة الماضية وقع الاحتلال الأمريكي الإنكليزي للعراق الذي تربطه مع تركيا حدود يبلغ طولها 400 كيلومتر. وفي عام 2011، بدأ الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، حيث قامت شعوب هذه الدول بثورة ضد حكامها. ففي سوريا التي تربطها بتركيا حدود بطول 900 كيلومتر، قام الشعب بانتفاضة ضد النظام الحاكم فيها وتحوّلت الصورة إلى حرب داخلية فيما بعد.

وخلال ثلاثة أعوام ونصف لجأ إلى تركيا ما يزيد على المليون وستمئة ألف نازح هرباً من آلة الدمار التي حطّمت كل شيء في البلاد. احتضنت الدولة التركية هؤلاء النازحين على أراضيها وقدّمت لهم كل مستلزمات الحياة الكريمة، حتّى وصلت كلفة الإنفاق والمساعدات الإنسانية المقدّمة للاجئين السوريين إلى وصلت 3,5 مليار دولار سنوياً. وبهذا الرقم تربّعت تركيا في المركز الثالث بين الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في العالم. وإضافة إلى ذلك، أصبحت تركيا الشريك الثاني للعراق من حيث التصدير. أمّا إيران التي تحدّ تركيا من الشرق، فما زالت تُعاني منذ ستّة أعوام من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الدول العظمى في العالم.

في عام 2008، نشبت الحرب بين الجارة جورجيا وروسيا واستمرّت لمدّة أسبوع. فضلاً عن الجارة التي تحدّنا من الشمال وهي أوكرانيا، فهي في حالة حرب مع الدولة الروسية منذ ثمانية أعوام، ولو لم تكن هذه المعركة عبارة عن اصطدام مباشر عن طريق السّلاح، إلا أن حالة عدم الاستقرار بين البلدين أثّرت بشكل أو بآخر على دول الجوار.

كلّ هذه الأحداث والمجريات، أثّرت بشكل سلبي على الاقتصاد والتّصدير وسوق الأموال في تركيا. ومن جهة أخرى فقد شهد الاقتصاد العالمي بشكل عام انتعاشاً ملحوظاً ما بين عامي 2000 و2007. لكنّ هذا الانتعاش سرعان ما تحوّل إلى نكسة كبيرة، أقحمت معظم الدول العالمية في أزمات يصعب الخروج منها. فالأزمة المالية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وتحوّلت فيما بعد إلى أزمة اقتصادية نتجت عنها في نهاية المطاف أزمة اجتماعية أخلّت بالتّوازنات العالمية.

وخلال العامين الماضيين، شهد الاقتصاد الأمريكي تحسّناً ملحوظاً، بينما استمرّ الانكماش المسيطر على الاقتصاد الأوروبي، وبطبيعة الحال استمرّت معه نسبة البطالة بالتّزايد. حيث بقي ما يقارب 6 ملايين مواطن أوروبي من دون عمل نتيجة الأزمة الاقتصادية التي حصلت عام 2008.

وعلى اعتبار أنّ نسبة 45% من الصادرات التركية تذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأنّ نسبة 65% من واردات السياحة التركية تأتي من دول الاتحاد الأوروبي، فإنّ أزمة الانكماش والبطالة التي تعاني منها القارة الأوروبية تؤثّر سلباً على الاقتصاد التركي.

الاقتصاد التركي ما قبل عام 2003

لو عدنا بذاكرتنا إلى ما قبل عام 2003 فيما يخصّ الاقتصاد التركي، فإنّنا نجد أنّ الاقتصاد التركي وصل إلى أدنى مستوياته من حيث الانهيار. فقد انهارت أنظمة البنوك، حيث أعلن 25 بنكاً خاصاً إفلاسهم، وحُمّلت أعباء الودائع على الشعب وخزينة الدولة. حيث تمّ إنقاذ 4 بنوك من قبل الدّولة من الانهيار. وتمّ آنذاك تعويض خسائر البنوك التي بلغت 53 مليار دولار من الشعب التركي وخزينة الدولة التركية، وذلك عن طريق فرض 750 مليار دولار كضريبة من أجل تعويض الخسائر. وهذا الرّقم يعادل ضعفي حجم الاقتصاد التركي آنذاك.

وخلال العام 2001، وصل العجز في الميزانية التركية إلى -16%. كما وصلت الدّيون العامة إلى -74%، وتدنّى الدّخل القومي إلى مستويات كبيرة، حيث بلغ في عام 2001، 180 مليار دولار، وهو أدنى مستوىً له منذ عام 1992. وقد بلغ دخل الفرد في عام 2001، 2180 دولار. كما أدّى انخفاض قيمة العملة التركية بنسبة مئة بالمئة إلى تفشّي الفقر بين المواطنين الأتراك، حيث بلغت نسبة الفقر في البلاد 50%.

وبلغت نسبة النّمو الاقتصادي آنذاك -9,5%، وازدادت نتيجةً لذلك نسبة البطالة في كافة أنحاء البلاد. فقد كانت قطاعات التعليم والصحة والمواصلات تنهار الواحدة تلو الأخرى، حيث كانت 85% من عائدات الضرائب تخصص لتسديد الدّيون العامّة للدولة. حيث كانت الدولة تقوم بتسديد رواتب العُمّال والمتقاعدين عن طريق قرض من صندوق النّقد الدّولي.

فالشّعب التّركي لم ينسَ تلك الأيام، ولن يستطيع نسيانها.

 

الدكتور عمر بولاط /  رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!