إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

قام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى الفاتيكان يوم 5 شباط/ فبراير، ليصبح أول رئيس تركي يزور رأس العالم الكاثوليكي منذ 59 عاما. جاءت الزيارة بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة حول القدس، وفتحت صفحة مهمة في العلاقات بين تركيا والكرسي الرسولي. وقد غطت القضايا التي ناقشها الزعيمان عمليا جميع المسائل الأكثر إلحاحا في العالم.

زار البابا فرانسيس تركيا في عام 2014. وكان أول رئيس دولة يستقبله الرئيس أردوغان عندما تم بناء المجمع الرئاسي التركي الجديد. وجرى النقاش بينهما بودية وموضوعية، وهي نفس الروح التي سادت في اجتماع الفاتيكان.

ناقش الزعيمان عددا من القضايا بما فيها القدس والعلاقات بين المسلمين والكاثوليك والحرب السورية وأزمة اللاجئين والإرهاب وكراهية الأجانب والإسلاموفوبيا. لقد كانت تركيا صوتا رياديا في كل من الأزمة السورية والموجة المتزايدة للعنصرية وكراهية الأجانب.

منذ أن تولى البابا فرانسيس منصبه الجديد رسم نموذجا مختلفا للقيادة الرسولية، من الدفء والتواصل والانفتاح والصراحة. وفي الوقت الذي كان يعالج فيه القضايا الداخلية للكنيسة الكاثوليكية، تبنى أيضا برنامجا عالميا للقيم الروحية مع التشديد على قضايا العدالة الاجتماعية. فقد تحدث، على سبيل المثال، عن العنصرية والتمييز، وأعرب عن قلقه إزاء محنة المسلمين الروهينجا في ميانمار.

قوبل موقف الفاتيكان الواضح والحازم من القدس بالترحاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقرّب بين المسلمين والكاثوليك. وليس هذا مفاجئا لأن القدس هي أيضا موقع مقدس للمسيحيين الذين لا يمكنهم قبول قرار أحادي الجانب من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل بتغيير وضع المدينة التاريخي والديني والدبلوماسي.

يرى المسلمون وكثير من المسيحيين، ولاسيما من يعيشون في الدول العربية والإسلامية، أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو السبب الجذري للمشكلة في الأراضي المقدسة. إن قرار الإدارة الأمريكية الخاطئ بشأن القدس هو جزء واحد فقط من المشكلة، إذ إن استمرار الاستيطان، وقمع الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين ومصادرة أراضيهم، ومسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين ما تزال تقوض أي جهود لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

ترى تركيا أن القضية الفلسطينية ليست قضية دين أو عرق أو أرض، بل هي قضية تتعلق بالعدل. والحل الوحيد الذي سيحقق السلام والأمن والاستقرار للمسلمين والمسيحيين واليهود هو التنفيذ الكامل لحل الدولتين الذي يحظى بدعم عالمي ولكنه يفتقر إلى الوسائل لتحقيقه.

تتقاسم تركيا والكنيسة الكاثوليكية والعالم الإسلامي والمسيحي الأكبر القلق بشأن سوريا وأزمة اللاجئين . وقد حملت تركيا العبء الأكبر للحرب السورية في عامها السابع. وقد أثرت أزمة اللاجئين في جميع البلدان المجاورة وفي أوروبا كذلك، كما تعرض  المسيحيون السوريون مثل غيرهم من السكان السوريين الآخرين لأهوال الحرب والفظائع التي يرتكبها النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب التي تقوم باختطاف أطفال الآراميين السريان المسيحيين في شمال سوريا للقتال في صفوفها ضد تركيا.

تكتسب رسائل البابا فرانسيس حول استيعاب الجميع والانفتاح على الآخرين أهمية خاصة في ظل المد المتصاعد للحركات اليمينية المتطرفة والاتجاهات العنصرية. وما من شك في أن التمييز ضد أي جماعة دينية أو إثنية يشكل أيضا تهديدا لسلامة الآخرين لأنه ما إن تبدأ عجلة العنصرية في الانطلاق فلا توجد وسيلة لوقفها، حيث ستكون العواقب وخيمة على الجميع . إن الاعتداءات السياسية والمادية على المجموعات المسلمة السلمية في الغرب التي تطرح وكأنها  "حالة طبيعية جديدة" لابد أنها تثير فزع  المسلمين وغير المسلمين على السواء، لأنه بنفس الطريقة خرجت معاداة السامية في أوروبا عن السيطرة ،وتحولت إلى حلقة مخزية في التاريخ الحديث مع صعود النازية وجرائم المحرقة.

وقد أثبت البابا فرانسيس أنه يتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية لرفض الأشكال الجديدة للعنصرية وكراهية الإسلام. وهذا ينبغي أن يكون موضع ترحيب من قبل جميع المسلمين. وبالمثل، يتحمل الزعماء السياسيون والدينيون المسلمون مسؤولية حماية الطوائف المسيحية التي تعيش في البلدان الإسلامية ضد أي هجمات، ومنحهم الإحساس بالانتماء والمودة. وهذا هو ما تسعى تركيا إلى القيام به مع  الجماعة المسيحية الصغيرة الحيوية والمسالمة التي تعيش فيها، كما اتخذت الحكومة عددا من التدابير لحماية الحقوق الدينية وممتلكات الطوائف المسيحية (واليهودية) في تركيا.

والحقيقة البسيطة هي أنه يجب على المسلمين والمسيحيين واليهود والشعوب المؤمنة وغير المؤمنة توحيد صفوفهم ضد جميع أشكال العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز.

ينبغي الترحيب باجتماع الرئيس أردوغان مع البابا فرانسيس بوصفه فرصة مهمة للعمل من أجل وضع أجندة مشتركة للسلام والأمن والصداقة في عالم تتزايد فيه العنصرية والتعصب والجهل والعنف.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس