محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

الجزء الأول

تتوالى الأحداث متسارعة في المنطقة، فبين ضغط أمريكي على دول المنطقة وبين الهيمنة الإيرانية على جزء كبير من دول الشرق الأوسط في العراق وسوريا ولبنان واليمن تكمن عقدة التخلص من براثن النزاع بين الأمريكيين والغرب بشكل عام وبين إيران بأذرعها في الدول التي تسيطر عليها.

ربما من الأخطاء التي لجأت إليها الإدارة الأمريكية والتي أدت إلى ضعف موقفها ومكانتها في المنطقة هي الاستفزازات غير المبررة والتحالفات العقيمة مع قسم من المنظمات الراديكالية والتي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية تهدد الأمن القومي التركي والتي أدت إلى إنهاء المصداقية الأمريكية لدى الأتراك، وحتما يؤدي إلى بروز عوامل قلق جديدة لدى الأمريكيين لاختيار تحالفات جديدة تشغل حيزا من الفراغ الذي تركه الأتراك في المنطقة, فيما إذا استثنينا التفاهمات المستقبلية التركية الروسية لأنهاء أهم الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط وهي المسألة السورية.

في المسألة السورية تم استبعاد أي دور عربي عنوة سواء في مؤازرة المعارضة السورية والتي يعتبرها البعض جزءا من الحل فيما لو حظيت بدعم لوجستي وسياسي من قبل الحكومات العربية وخصوصا الخليجية, أو في الوساطة التي كان من المفروض أن تقوم بها الجامعة العربية والدول العربية في بدايات الأزمة أو في مراحلها السابقة, رغم الخلاف حول النظام.

في تلك الأثناء كان العالم العربي قد انقسم إلى فريقين بين مؤيد للثورات العربية (الربيع العربي) وبين معارض لها، وكان الجميع من الفريقين يترقب وينتظر ما يقرره الشعب الثائر ضد الدكتاتوريات ليقرر بعدها كيفية التعامل والصيغ المثلى لأقامة العلاقات الجديدة.

مصر على وجه التحديد كانت من أعظم التحديات التي تواجهها الجهات أو الفرقاء التي كانت تخشى من سيطرة نظام ديمقراطي عليها لذا سارعت بكل الطرق إلى إنهاء كل آثار الصحوة الديمقراطية للشعب المصري وتم إنزال الحكم العسكري التسلطي من جديد لتعود مصر من جديد إلى المربع الأول مربع عام 1952.

ولغرض إنهاء كل دور للشعب المصري في أية برنامج مستقبلي في الشرق الأوسط ومنعه من فرض رأيه كأكبر قوة عربية ديمغرافية فقد تمت إحاطتها بأكبر شبكات إرهابية قادرة على امتصاص كل قدراتها الدفاعية ودفاعات الأمن الداخلي إلى أجل غير مسمى وبذا أصبحت تلك الدولة التي كان يحسب لكيانها ألف حساب خارج اللعبة وخارج التغطية إن صح التعبير الملائم.

ما السعودية أمل المسلمين والعرب وأكبر قوة اقتصادية بين الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط والدولة الرائدة والتي استطاعت عقد تحالف ضم عشرات الدول الإسلامية والعربية قبل سنتين وفي أوج الحرب الباردة المعلنة بينها وبين إيران والتي أدت على ما يبدو إلى إيجاد توازن جديد بين إيران وحليفتها روسيا وبين السعودية وباقي الدول الإسلامية.

إن التحالف المذكور والواسع والذي استطاعت السعودية من إقامته بالسرعة المثلى قد أيقظ التخوف الغربي من جديد, وخصوصا أنه ضم دولا خارج الجامعة العربية ولأول مرة منذ عام 1954 (أيام حلف بغداد) والذي أنهي بالانقلابات العسكرية في العراق عام 58 ثم في تركيا عام 60.

ربما تكون هذه إحدى العوامل أو العامل الأكثر خطورة للغرب بالنسبة للدور السعودي الريادي فالغرب لا يتحمل ظهور دولة يمكنها التفاوض من مصدر ومنطق قوة بل هو متعود على الإملاءات التي تصب في مصالحه دون انتظار أية تغييرات جوهرية تؤدي إلى فقدانه لمصالحه.

فبعد يوم أويومين من مغادرة الرئيس ترامب الأراضي السعودية وفي الصباح الباكر أعلنت الإذاعات العربية والأجنبية أن السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قطعت علاقاتها مع دولة قطر لأسباب لم توضح إضافة إلى أنها متغيرة على الدوام منذ حدوثها ولم تشفع الواساطات الكثيرة والمتنوعة في إذابة جزء من الجليد الذي غطى العلاقات رغم حرارة الجو والأجواء الرمضانية الحميمة والدافئة.

أعقبت تلك الأزمة الخارجية أزمة داخلية أخرى في الشأن السعودي وهو إقالة ولي العهد السعودي بسبب ظروف صحية تؤثر بشكل مباشر على مهامه ونشاطاته الدستورية والمهنية.

في هذه الأثناء قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بجملة من الإصلاحات التي لم يكن الشعب السعودي يترقبها وخصوصا في ما يخص الجوانب الاجتماعية للشعب, من ضمن مشروع الإصلاح السياسي والاقتصادي للمملكة الذي سمي بمشروع نيوم العملاق, والذي يتطلب إنجاحه الكثير من التغييرات الجوهرية في وضعية وآلية عمل المؤسسات المشرفة على بدئها ونجاحها, ورغم أن الكثير من الباحثين يحاولون تشبيهها بالبيريسترويكا السوفيتية, إلا أن الحقيقة أن وضع السعودية لا يشبه إطلاقا وضع الاتحاد السوفيتي قبل انحلاله لعدة أسباب:

أولها أن مسألة إحاطة وتقويض قوة الاتحاد السوفيتي التي مارستها أمريكا والغرب استمرت عشرات السنين منذ أزمة الصواريخ الروسية في كوبا.

والثانية وهي المهمة جدا أن الاتحاد السوفيتي كان إحدى الدول العظمى التي لها حق النقض في مجلس الأمن وتثقل كاهل الغرب في قراراتها.

والثالثة: كانت الأيدولوجيا السوفييتية الشيوعية والحركات الراديكالية التي كانت تقض مضاجع حلفائها في دول العالم وخصوصا في دول العالم الثالث.

والرابعة: كانت الإمبراطورية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي مبنية على أسس غير عقلانية أو ما يسمى بالمثالية غير القابلة للتطبيق، وكانت كل القرارات التي تتخذ، وخصوصا القرارات الاقتصادية والاجتماعية تبنى على مرتكزات خاطئة أساسا.

خامسا كان السبب الرئيسي لاحتفاظ زعماء الكرملين بتلك الجمهوريات الواسعة هو لتسخير موارد وإمكانات تلك الدول للحفاظ على الاقتصاد الروسي من الانهيار والذي كان يعاني من الكثير من الإخفاقات المتسلسلة والمتتالية.

ومما يظهر أعلاه أن الوضع السعودي يختلف اختلافا جذريا عن الوضع الاتحاد السوفيتي السابق أيام انهياره، فبالنسبة للسعودية لم تكن في يوم ما تهدد مصالح الدول الغربية وأيضا لها اقتصاد مستقر ولها من الإمكانات الهائلة التي باستطاعتها رفد الخزينة السعودية بما تحتاجه من العملة الصعبة وبالكمية المطلوبة بكل سلاسة.

لكن ما الذي واكب عمليات الإصلاح التي طرحها الأمير محمد بن سلمان والتي أثرت بشكل مباشر على اختلال البيت السعودي:

الأول طرح جزء من أكبر المؤسسات السعودية (شركة أرامكو) للخصخصة.

الثاني مشاركة الشركات الأمريكية العملاقة في الاستثمارات التي تقع ضمن أهداف مشروع نيوم العملاق.

وربما تكون هناك أسباب أخرى أثرت بشكل مباشر على الداخل السعودي ولكن هذين السببين طرحا الكثير من التساؤلات, والتي تباينت بين الغرابة من إقدام السعودية على الخصخصة بسبب عدم الحاجة لتلك العملية أو بسبب التخوفات من تدخل سلطة تلك الشركات في الشأن الداخلي السعودي وهذا فيما يخص الخصخصة, أما مشاركة الشركات الأمريكية العملاقة في الاستثمارات السعودية لمشروع نيوم فربما أكثر التساؤلات الملحة هي لعدم تنوع الدول التي تستثمر تلك المشاريع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس