فهد الرداوي - خاص ترك برس

يكاد أن ينتهي كابوس الغوطة الشرقية وما نتج عنه من تدمير واستباحة للدماء ذات اللون السني الواحد , لكابوسٍ أسوء , ومما لايدعو للشك أو المراهنة على هذا الفصل الإجرامي هو التوافق الدولي على ماجرى خلال الأسابيع الست التي خلت , فالجميع قدّم انموذجاً مخزياً على هيئة صمتٍ بطعم الموافقة على ماحدث من عمليات قتل وتدمير بجميع أنواع الأسلحة المحرمة دولياً وحتى نهاية المشهد الدموي الممهور بالتهجير الذي تدعمه روسيا ومن خلفها العصابة الأسدية وإيران العار .

وينظر البعض من زاوية أخرى على ماجرى في الشمال السوري من تقدمٍ واضح لعملية غصن الزيتون التي تقودها تركيا بالاشتراك مع الجيش الحر المدعوم من قبلها , ويحاول أن يربط المشهدين تحت مسمى التوافق أو صفقة التبادل فالغوطة مقابل عفرين وربما لما بعد عفرين , وهنا لابد من قراءة المشهدين كلٌ على حده.

الغوطة وأهمية السياج الاستراتيجي للعاصمة دمشق

ما تشكله الغوطة الشرقية من سياج أمني طبيعي جعلها مطلباً للعصابة الأسدية وحلفائها, فالغوطة تقبع تحت حصار مشدد منذ ما يقرب من الخمسة أعوام وانشغال الجيش الأسدي على الجبهات المتناثرة على امتداد الرقعة السورية جعل من الغوطة ورقة مؤجلّة , لكنه بلا أدنى شك عمل على قطع جميع شرايين التواصل أو الدعم بكافة أشكاله ومنع وصوله إلى الغوطة , ما جعل منها لقمة مستقبلية سائغة يستخدمها بوقت لاحق لرفع معنويات مؤيديه ولتسجيل نصرٍ عسكري مضمون النتائج إذا ما تعرض لنكسة ما وهذا ما حصل بالفعل , فبعد أن تلقى النظام الأسدي وحلفائه ضربة موجعة في دير الزور من قبل قوات التحالف التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية حين حاول عبور نهر الفرات شمالاً أيقن حينها أن خطوط المصالح الدولية قد ارتسمت ولا مجال للمقاطعة فيها فانكفأ محاولاً ردَّ اعتباره وكان الهدف هو الغوطة الشرقية ليحقق بذلك تقدماً عسكرياً يضمن به رضى مؤيديه وسياجاً أمنياً منزوع السلاح يُحيط بالعاصمة دمشق .

غصن الزيتون المعادلة المعضلة

برغم تزامن عملية غصن الزيتون مع ملحمة الغوطة ( الغير متكافئة عسكرياً ) لكنَّ الروابط الاستراتيجية المبنية على المصالح الدولية واحتمال أن يكون هناك صفقة تبادلية بين القوى المتصارعة هي معدومة تماماً لأسباب كثيرة أهمها :

بُعد الغوطة الشرقية عن الشريان النفطي أو الغازي أو حتى الحدودي جعلها منطقة خارجة عن مصالح النفوذ الدولي , على عكس الشمال الشرقي السوري الغني بالنفط والغاز والماء والكهرباء والزراعة .

يُعتبر مسرح عملية غصن الزيتون بمثابة طاولة المقامرة للقوى الفاعلة على الأرض فالمصالح فيها متقاطعة وبشكل مباشر و أوراق "البوكر" فيها ذات وطيس عالٍ جداً الشيء الذي يجعل حرف الأنظار عن هذا الهدف شبه مستحيل , فورقة الأكراد الانفصاليين ضد تركيا ذات حساسية عالية وورقة محاربة الإرهاب هي حجة التدخل الدولي وحساباتها معقدة وأهداف التمركز وإنشاء القواعد العسكرية ورقة مهمة جداً وهي مطلب الجميع في تلك المنطقة .

كل تلك الأمور تُبعد احتمالية وجود أي صفقة تبادلية لأن الأنظار أصلاً تتمحور حول طاولة الشمال الشرقي التي وضعت الجميع على خطوط تماس ملتهبة وتقاطعات معقدة قد تُنذر بمواجهة عسكرية بين اللاعبين في أي لحظة زمنية , ومع الاستفادة من عامل الإهمال الدولي للغوطة الشيء الذي أتاح للنظام الأسدي تدعيم خطوط دفاعه في مناطق سيطرته وإخراج المقاتلين من أحرار الشام وفيلق الرحمن من الغوطة ليزداد الأمر العسكري تعقيداً مع إمكانية نشوء تحالفات فصائلية جديدة فور وصول هؤلاء المقاتلين إلى إدلب خلال الأيام القليلة القادمة .

فرضية التحالف والاصطدام وعودة داعش

مع وصول الضيوف الجدد إلى إدلب سيصبح التجمع العسكري للفصائل كبيراً جداً وسيكون المشهد أكثر تشعباً فإما أن تنخرط الفصائل القادمة من الغوطة مع الجيش الحر المشارك في عملية "غصن الزيتون" أو أن تلتحم مع هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفي كلتا الحالتين لا يُستبعد أي اصطدام عسكري بين تلك الفصائل خصوصاً بعد العودة المفاجئة لتنظيم داعش الذي ظهر منذ أيام في مواجهات مع قوات (قسد) من جهة ومع النظام الأسدي من جهة أخرى , مايُنذر بتجدد المواجهات وخلط جديد للأوراق والاصطفافات وربما تغييراً  ملحوظاً لمناطق النفوذ .

عن الكاتب

فهد الرداوي

الأمين العام لتيار التغيير الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس