إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

دخلت عملية غصن الزيتون التي أطلقها الجيش التركي والجيش السوري الحر في 20 كانون الثاني/ يناير، مرحلة حاسمة في 18 آذار/ مارس بالاستيلاء على مركز مدينة عفرين. طهرت منطقة عفرين من ميليشيا وحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري التابع للبي كي كي، وهو ما يستوجب الاحتفال به بوصفه انتصارا كبيرا في الحرب على الإرهاب، والاحتفاء به كخطوة إيجابية لحماية وحدة الأراضي السورية. ورغم ذلك نجد من ينوح على انتصار تركيا وهزيمة وحدات حماية الشعب، وهو ما يفضح المغالطة المتأصلة للعقلية الجمعية في بعض الدوائر الغربية.

لقد كانت تركيا واضحة بشأن موقفها الرافض لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الفرع السوري للبي كي كي، وأنها تنظيمات لا تختلف عن داعش كمنظمة إرهابية. قاتلت تركيا هاتين المجموعتين في سوريا والعراق وأماكن أخرى. إنها معركة متعددة الجبهات ضد منظمة إرهابية ماركسية- لينينية تزعم أنها تمثل الأكراد، في حين أنها هاجمت وقتلت ليس فقط الجنود ورجال الشرطة الأتراك والسوريين والعراقيين والإيرانيين، بل الزعماء القبليين والسياسيين الأكراد وكل من يرفض الإذعان لظلمها. إن المعركة ضد البي كي كي ليست معركة ضد الأكراد ، كما أن الحرب على داعش ليست حربا على العرب أو المسلمين.

لكن من أصابهم الذهول والإحباط من سرعة ودقة عملية الزيتون في عفرين، يحاولون الآن تصوير هذا الانتصار على أنه ضربة للحرب على  داعش، ويحثون الدول الغربية على عدم خيانة الأكراد.عن أي الأكراد يتحدثون هنا؟ هل يقصدون الأكراد الذين لا يقبلون أيديولوجية البي كي كي  الماركسية-اللينينية القديمة ،ولا يقبلون والقمع والإعدام والخطف والتجنيد القسري للأطفال الكرد، أم يقصدون إرهابيي البي كي كي؟ من وجهة نظر هؤلاء فإن كل من ليس عضوا في البي كي كي أو متعاطفا معه، ليس كرديا. أما ما يعنونه بدعم الأكراد فهو الدعم المفتوح لحزب البي كي كي  وفروعه في سوريا والعراق وإيران.

ما لا يريد هؤلا أن يفهموه أو يعترفوا به هو أن هناك ملايين الأكراد الذين لا يقبلون حزب العمال الكردستاني، ولا ينظرون إليه إلا على أنه أداة وبيدق في الحروب بالوكالة وألاعيب القوى في العالم المعاصر. إن من يسمون بالخبراء الغربيين يتعاملون مع الأكراد من غير حزب البي كا كا على أنهم غير موجودين على أرض الواقع، كما يتجاهلون وجود الأكراد السوريين في صفوف الجيش السوري الحر التي حررت عفرين.

ويشبه هذا القولَ بأن أي أمريكي أبيض ليس عضوًا أو مؤيدًا لمنظمة كو كلوكس كلان العنصرية، ليس أبيض. ولا يختلف ذلك عن الادعاء بأن الألماني من غير النازيين الجدد ليس ألمانيًا حقًا، ولكنه شيء آخر.

لا يمكن أن يكون هذا المنطق الزائف أساسا  لمقاربة عقلانية لفهم الأكراد وتركيا وسوريا والشرق الأوسط الكبير. كان قرار الرئيس السابق، باراك أوباما، بدعم وحدات حماية الشعب خطأ قاتلا، ولن يجعله أي قدر من المناورة الاستراتيجية أو النقاشات الصحفية صحيحًا. إن دعم وحدات حماية الشعب باسم قتال داعش في سوريا يشكل ضررًا كبيرًا وظلمًا للأكراد. كما أنه يضع تركيا والولايات المتحدة ، الحليفتين في الناتو، في خلاف حول قضية إقليمية رئيسية. ينبغي لمن يسمون بالخبراء بدلاً من انتقاد أنقرة على شنها حربا فعالة على داعش ووحدات حماية الشعبـ أن يرفضوا منطق الشراكة مع منظمة إرهابية ضد حليف للناتو.

كانت عملية عفرين سريعة وناجحة  تجنبت وقوع إصابات بين المدنيين ولم تدمر البلدات والمدن، ولا توجد أزمة إنسانية ويعود المدنيون إلى منازلهم. يجب على مؤيدي البي كي كي ممن يتنكرون في قناع الخبراء أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى الصور قبل عمليات الموصل والرقة وبعدها، ومقارنتها بصور عفرين. كما أن عليهم أن يشكروا تركيا ويثنوا على عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون بوصفهما نموذجا في الحرب على الإرهاب. أما بكائياتهم على انتصار تركيا فهي بكائية على وحدات حماية الشعب، ومن ثم على هزيمة حزب العمال الكردستاني.

لم تتورط تركيا قط في عمليات التغيير الديموغرافي، وسِجِلُها في المنطقة الواقعة بين جرابلس والباب في سوريا بالغ الوضوح. وعلى ذلك فإن الادعاء بأن البنية الديموغرافية لعفرين ستتغير إنما هو كذب بواح لوحدات حماية الشعب. وفي واقع الأمر فرض حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التغيير الديموغرافي في تل أبيض وكوباني وبلدات عربية أخرى في سوريا، وقد وصفته منظمة العفو الدولية بأنه جريمة حرب محتملة.

أثبتت عملية عفرين أيضا خطأ ادعاء أن الجيش السوري الحر لا يقاتل بكفاءة، وهو الادعاء الذي رُوج له كتكتيك كاذب لتبرير وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا. لقد أثبت الجيش السوري الحر في كل من جرابلس وعفرين وفي أماكن أخرى قبل أن تتخلى عنهم الولايات المتحدة  منذ عدة سنوات، قدرته على القتال المنضبط ، وتحقيق الانتصار على إرهابيي داعش ووحدات حماية الشعب ، بشرط إن يدعم على نحو لائق. إن الادعاء بأن قوات حماية الشعب الكردية هي القوة البرية الوحيدة الفعالة ضد داعش ومن ثم ينبغي دعمها بكل الوسائل، يشبه وضع العربة أمام الحصان. إن أي قوة تتلقى هذا النوع من الدعم المقدم إلى وحدات حماية الشعب ستكون أنجع قوة لمحاربة داعش وغيره من التهديدات الأمنية.

عملية عفرين انتصار للسلام وهزيمة للإرهاب. إنها ضربة قوية للإرهابيين في شمال سوريا ويجب أن يدعمها كل من يتخذ موقفا واضحا ضد الإرهاب بكافة أشكاله.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس