سمير صالحة - لبنان 24

كُثر في إسرائيل يرددون أنّ أسباب التوتر بين أنقرة وتل أبيب ليست التباعد السياسي وتضارب المصالح بين البلدين، بل الخلافات الشخصية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس مجلس الوزراء بنيامين نتياهو وأسلوبهما في التعامل مع المسائل، والدليل على ذلك أنه رغم كل هذا التصعيد الذي بدأ قبل 5 سنوات تقريبًا مع انفجار أزمة "ون ميونيت"، ورغم سحب السفراء فإنّ العلاقات لم تتراجع وما زالت تحافظ على رقم 5 مليارات دولار من التبادل التجاري بين البلدين .

هناك من يرى في تركيا ايضًا أن أنقرة تعرف أكثر من غيرها أنه دون التفاهم مع اسرائيل وقبولها كمفاوض حاضر على اية طاولة حوار إقليمية تعد لبحث شؤون المنطقة الأمنية والسياسية والإقتصادية لا يمكن تركيا حماية التمركز التركي الإقليمي، خصوصًا وأنّ أنقرة تريد الإستفادة من ورقة انفتاحها على إيران عدو اسرائيل الأول في المنطقة، وتشعر بخطورة ارتداد أي تقارب إسرائيلي مصري على مصالحها العربية والإقليمية.

فلماذا "غامر" أردوغان على هذا النحو إذًا وتحرك لإغضاب نتنياهو بسبب مشاركته في مسيرة باريس رافضًا الإكتفاء بما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنه لم يكن سعيدا جدا بمشاركة رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي لم يتلق دعوة فرنسية مباشرة للحضور؟ لا بل لماذا فجرها أردوغان مجددًا في وجه تل ابيب وهو يعرف تمامًا أنّ توقيت الخطوة سينعكس على أكثر من ملف إسرائيلي تركي ثنائي وإقليمي ويدفع واشنطن نفسها التي وقفت "قدر الإمكان" على الحياد بين أنقرة وتل أبيب للدفاع عن نتنياهو الذي لا تحبه كثيرًا كما قالت أكثر من مرة لكنها ملزمة  بالتصدي لأردوغان الذي بالغ في الإساءة الى اسرائيل اكثر مما يتهجم على نتنياهو كما ألمحت الخارجية الأميركية؟

دخول لاعبين محليين في تركيا مثل أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء وبشير اتالاي الوزير الذي قاد لسنوات ملف المصالحة مع تل ابيب الى جانب رئيس جهاز الإستخبارات التركية هاقان فيدان ثم ابراهيم قالن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية على خط الأزمة تماما كما حدث في تل أبيب مع تدخل وزير الخارجية والناطق الرسمي باسم رئاسة الحكومة الى جانب الأقلام المقربة من نتنياهو يعكس حقيقة استحالة لملمة مخلفات وانعكاسات هذا التوتر بسهولة وسرعة.

أردوغان الذي نجح في استلام دفة القيادة السياسية في تركيا وهو سيبقيها في يده لخمس سنوات مقبلة على الأقل والذي يعد نفسه لنظام رئاسي أو شبه رئاسي في تركيا خلال العامين المقبلين يريد أن يقطع الطريق سياسيًا وانتخابيًا على نتنياهو الذاهب الى انتخابات برلمانية مبكرة خلال شهرين. كما يريد لعب ورقة الأقلية العربية في اسرائيل لإقناعها بعدم الرهان على الليكود ونتنياهو لأنّ لا فرص للتفاهم وإطلاق التسويات معه في المرحلة السياسية المقبلة ويريد كذلك لعب ورقة التغيير حول من سيخاطب تركيا والقيادات الفلسطينية في الحقبة السياسية المقبلة تمامًا كما حدث في الملف العراقي عندما نجح في التصلب ضد نوري المالكي وفتح الأبواب على وسعها أمام حيدر العبادي الذي يقود مشروع التغيير في العراق.

أردوغان ثانيًا يشعر أن نتنياهو خدعه بعدما أوصل موضوع المصالحة التركية الاسرائيلية الى منتصف الطريق ثم تخلى عنه فجأة عبر مهاجمة غزة وتدمير بنيتها مجددا وهو الذي كان يعد الأتراك بدور وساطة حقيقية يقودونها باتجاه إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ثالثًا، خيب نتنياهو آمال أردوغان عندما سارع لفك الحصار السياسي والقانوني عن افغيدور ليبرمان اليميني المتشدد وإعادته الى مقعد الشراكة السياسية والحزبية في لاسرائيل رغم قيادته المباشرة لحملات التصعيد والعداء ضد تركيا في السنوات الاخيرة بينها أزمة  "الكرس الواطي" وخدع الأتراك في قضية "أسطول الحرية". وهو هنا يشعر أنّ الثنائي نتنياهو - ليبرمان سيواصلان تحالفهما الحكومي مما يعني استحالة التفاهم القريب الإسرائيلي - التركي مع حكومة تكرر نفسها ومواقفها في الحكم والسلطة.

رابعًا، يريد أردوغان أن يقول لنتنياهو أنه أهدر فرصة السلام مع الفلسطينيين مرة أخرى عندما عرقل المشروع العربي أمام مجلس الأمن مؤخرا، لكنه يقول له أيضا أنّ عزلة اسرائيل امام المجتمع الدولي تتزايد يوما بعد آخر وأهم مؤشراتها التحول في الموقفين الفرنسي والإنكليزي خلال عملية التصويت التي أنقذها التدخل الأميركي العلني في آخر لحظة.

خامسًا، يراهن أردوغان على استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة التي يتحدث بعضها عن حالات من الغضب والقلق حول المستقبل السياسي والإجتماعي في البلاد وهو يذكر نتنياهو هنا أنه في القيادة وأن دعوات اليهود في العالم للعودة الى "أرض الميعاد" التي أغضبت الرئيس الفرنسي لا تحمل طابعًا انتقاميًا اسرائيليًا حيال سياسة باريس وبحسب بل هي موشحة باللغة التحريضية العنصرية التي تكن العداء للإسلام والمسلمين من خلال تحميلهم مسؤولية حادثة الإعتداء على المجلة الفرنسية.

وأخيراً يعرف أردوغان أنّ هذه المواجهة مع نتنياهو لا عودة عنها بعد هذه الساعة وأنّ فرص إنقاذها الوحيدة تخلي الأخير عن تحركاته الإقليمية والدولية لمحاصرة تركيا في شرق المتوسط والموضوع القبرصي والملف الأرمني الذي يقترب موعد انفجاره مجددا حيث لن يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي متسامحا مع الاتراك في حال فاز في الانتخابات العامة المرتقبة .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس