د. علي حسين باكير - العرب القطرية

جدد مسؤولون أميركيون تهديداتهم المتعلقة بفرض عقوبات تطال التعاون في المجال العسكري الصناعي والدفاعي مع تركيا، وذلك بعد أن مرر مجلس الشيوخ الأميركي يوم الخميس الماضي مشروع قانون يُبعِد أنقرة عن المشاركة في برنامج إنتاج مقاتلات (أف -35) متعددة المهام، ويمنعها من شرائها. 

وعلقّ الجانب التركي على هذه الخطوة بالقول بأن برنامج إنتاج المقاتلة هو مشروع متعدد الجنسيات، تشارك فيه عدّة دول، ولا يجوز إبعاد تركيا منه، وأن على كل طرف الإيفاء بالتزاماته، لا سيما أن مثل هذه الخطوة تتعارض مع التحالف القائم بين البلدين. كما حذّر المتحدث باسم الخارجية التركية من أن بلاده قد تضطر في نهاية المطاف إلى الرد على هذه الخطوة في حال المضي فيها قدماً.

وتشارك تركيا في برنامج إنتاج هذه المقاتلة الأميركية الحديثة، من خلال عدّة شركات وطنيّة متخصصة في الصناعات الدفاعية، من بينها «أسيسان»، و»روكيتسان»، و»توساش»، و»كاليه»، وغيرها من الشركات المحليّة، كما من المتوقّع أن تتسلّم أنقرة أولى مقاتلات (أف - 35) هذا العام، بعد أن كانت قد طلبت شراء حوالي 120 مقاتلة من هذا النوع، بتكلفة تقدّر بحوالي 102 مليون دولار للمقاتلة الواحدة. 

وتضاف هذه المشكلة المستحدثة إلى سلسلة المشاكل المتراكمة التي تعاني منها العلاقات التركية- الأميركية في السنوات الأخيرة. وإذا ما نظرنا إلى طبيعة هذه العلاقات، سنجد أن التعاون العسكري الصناعي والدفاعي هو الدعامة الأخيرة التي لا تزال قائمة بين البلدين حتى الآن، فبالمقارنة مع العلاقات التي تربط تركيا مع دول الاتحاد الأوروبي أو روسيا، والتي تحظى بمستويات متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية، سنجد أنّ حجم التبادل التجاري بين أنقرة وواشنطن يبدو أقل مما هو عليه مع الآخرين، كما أنّ العلاقات السياسية تبدو متردية.
استهداف التعاون العسكري والدفاعي بين أنقرة وواشنطن يعني أنّ العلاقات بين البلدين ستصبح في وضعية خطيرة، ولا يبدو أنّ الولايات المتّحدة ستتوقف عن متابعة محاولات الابتزاز التي تقوم بها ضد تركيا. ففي 16 مايو الحالي، حكمت محكمة أميركية على محمد هاكان اتيلا، وهو مسؤول سابق في بنك «خلق» الحكومي التركي، كانت الولايات المتّحدة قد اعتقلته أثناء زيارته إليها، بالسجن لمدة 32 شهراً، بتهمة المساعدة على خرق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي.

ويعدّ هذا الحكم بمثابة تذكير جديد لأنقرة بضرورة التزامها بالعقوبات التي شرعت الإدارة الأميركية في تنفيذها حالياً ضد إيران، وهو الأمر الذي قال المسؤولون الأتراك إنّهم لن يلتزموا به، باعتباره إجراء أحادياً، لا يدخل في إطار العقوبات الدولية، ما يعني أنّ العلاقات التركية- الأميركية ستشهد مرحلة جديدة من التصعيد قريباً، بالرغم من الحديث عن التنسيق الجاري، بخصوص الوضع في مدينة منبج السورية.

أحد المؤشرات التي تعد بمثابة دليل إضافي على ذلك، قيام البنك المركزي التركي مؤخراً بنقل احتياطياته من الذهب المخزن في الولايات المتحدة، والتي تبلغ قرابة 220 طناً إلى تركيا، ومنها إلى عدة دول أوروبية، وهو إجراء واكبته كذلك عدة بنوك تركية خاصة، فيما يبدو أنه تخوف من احتمال فرض عقوبات اقتصادية على البلاد. واذا ما أضفنا كل هذه المعطيات إلى موضوع فتح الله غولن الذي لا يزال عالقاً، وإلى الضغوط المتزايدة على أنقرة للتخلي عن صفقة (أس- 400) مع روسيا، ولإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون، المعتقل بتهم تتعلق بالتجسس ودعم الإرهاب، فهذا يعني أن لا تحسّن ملموساً في الأفق في العلاقات التركية- الأميركية خلال المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس