حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

لطالما كان جبل قنديل المصدر الأكبر للإرهاب الذي يهدّد أمان تركيا منذ سنوات عديدة، وما زال معظم إداريي التنظيمات الإرهابية موجودين هناك، كما كانت مسألة القضاء على القوى الإرهابية في قنديل محوراً للعديد من المناقشات والمفاوضات لأعوام طويلة.

مع الأسف تم طرح العديد من الأفكار السلبية في هذا الصدد، وكانت أبرزها تشير إلى أن المنطقة الجغرافية التي يقع فيها جبل قنديل صعبة وواسعة وبعيدة، كما أفاد أحد رؤساء هيئة الأركان بمثل هذه التصريحات مسبقاً، إذ قال: "لا يمكن القضاء على مصدر الإرهاب في جبل قنديل"، ولا بد من لفت الانتباه إلى أن التصريح بمثل هذه العبارات هو إنكار للذات، كما حاولت جاهداً التذكير بأن الإرهاب ليس ضمن المجتمع أو الاقتصاد التركي، بل في جبل قنديل.

تعتبر القوى الإرهابية أن جبل قنديل يمثّل منطقة آمنة بالنسبة لها، واعتماداً على ذلك تبادر في تنفيذ هجمات إرهابية ضد تركيا، وعلى الرغم من استخدام جميع الأساليب لقطع سلسلة هذه الهجمات إلا أن تركيا لن تتمكّن من إنهاء هذا الخطر دون القضاء على مصدره الرئيس في جبل قنديل، وفي هذا السياق خاضت تركيا العديد من التجارب مسبقاً وتمكّنت من إدراك هذا الواقع.

يبدو أن تركيا ستضطر لتنفيذ عملية عسكرية في جبل قنديل لإنهاء الخطر الصادر عن المنطقة، أما بالنسبة إلى إمكانية تنفيذ هذه العملية فذلك ليس بالأمر المستحيل كما يزعم البعض، عند النظر إلى الدول المجاورة لجبل قنديل نلاحظ أن إيران تمكّنت من القضاء على الإرهاب الموجود في الجبهة التي تطلّ على الحدود الإيرانية-العراقية، وبما أن إيران أنجزت هذا النجاح فذلك يفرض على تركيا أن تتمكّن من إحراز نجاح أكبر في جبل قنديل، وعند المقارنة بين إيران وتركيا يمكن القول إن الفرق الوحيد الذي يصعّب المسألة على تركيا هو المسافة التي تفصلها عن جبل قنديل، في حين أن الجزء الآخر من جبل قنديل يقع ضمن الأراضي الإيرانية ولذلك لم تحتاج إيران لمباحثات دبلوماسية وسياسية، بينما تركيا ستحتاج للدخول في محور مفاوضات ومناقشات دبلوماسية وسياسية طويلة، لكن ذلك لا يجعل الأمر مستحيلاً أيضاً.

عند النظر إلى الظروف الدولية الحالية نرى وجود بنية تحتية جيدة للقضاء على الإرهاب الموجود في جبل قنديل بشكل نهائي، على سبيل المثال خلال القران التاسع عشر كانت تركيا تحتاج لموافقة أمريكا من أجل تنفيذ مثل هذه العملية العسكرية، لكن الظروف الحالية تزيد من قوة يد تركيا في هذا الصدد، وبالتالي لا تحتاج لموافقة أي جهة خارجية، وتستطيع تنفيذ عمليات عسكرية على المدى الطويل دون طلب الموافقة من واشنطن، وتُعتبر عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ومنبج أبرز الأمثلة التي توضّح هذا الواقع.

إن الانتصارات التي حقّقتها تركيا خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون على الرغم من عدم موافقة أمريكا أدت إلى إجبار واشنطن للموافقة على عملية منبج، ونلاحظ أن أمريكا لم تبادر بضغوطات ملموسة تجاه العمليات المنفّذة في جبل قنديل، والسبب الرئيس في ذلك هو أن أمريكا لم تعد مثل السابق، وبدأت بالانسحاب من المنطقة على المدى البطيء مع وصول ترامب للسلطة، ولذلك لا ترغب في مواجهة تركيا بشكل مباشر ضمن إطار المسائل المتعلّقة بالإرهاب.

من جهة أخرى أظهرت تركيا أنه تستطيع التعاون مع روسيا أيضاً، وبالتالي لم يتبقّ أمام تركيا أي عائق سوى إيران والعراق، وهاتان الدولتان ليست في وضع يسمح لها بمواجهة تركيا، ولهذا السبب يمكن تنفيذ عملية عسكرية قد تستمر لأشهر طويلة في جبل قنديل، إضافةً إلى حصار قد يمتد لسنوات وليس لأشهر فقط.

الآن يمكن لتركيا تحويل فراغ القوى الموجود في النظام الدولي إلى فرصة تستطيع من خلالها ممارسة سياسة تمشيط الإرهاب على المدى البطيء في المنطقة، ومع وجود الوقت الكافي ستصل العمليات العسكرية إلى النجاح في النهاية.

إن القضاء على الإرهاب الموجود في جبل قنديل سيستغرق مدةً معيّنة، ويبدو أن الحصار الذي سيتم تطبيقه لمنع تمركز العناصر الإرهابيين مرةً أخرى سيستغرق مدةً أطول، ومع استمرار المجال السياسي بمنح المدة الكافية للقوة العسكرية فمن الممكن أن تنتهي العمليات العسكرية بنجاح ملموس على المدى الطويل.

على الرغم من صعوبة الظروف يتوجّب على تركيا المبادرة من أجل إنهاء هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن، وفي الوقت الحالي تتخّذ الأخيرة خطوات بارزة في هذا الصدد، ووقفاً للتطورات الأخيرة أعتقد أن القوات المسلّحة التركية تمكّنت من السيطرة على مناطق تمتد لمسافة 50 كيلو متر داخل الأراضي العراقية، وإن وصول هذه المسافة لعمق 150 كيلو متر يعني السيطرة على القسم الذي يطلّ على الحدود التركية-العراقية من جبل قنديل، أؤمن بأن تركيا ستتمكّن من تحقيق هذه الأهداف وإيجاد حلول دائمة لهذه المشكلة التي تُعتبر الأهم في مجالها.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس