حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

يعيش زعيم تنظيم الكيان الموازي والمدبّر لانقلاب 15 تموز/يوليو "فتح الله غولن" في أمريكا منذ عشرات السنين، والأخيرة لا تتّخذ أي خطوة ملموسة من أجل تسليمه للحكومة التركية، ولم تعط أي إشارة حول احتمال تسليمه في المستقبل، وأمريكا ذاتها اعتقلت "هاكان أتيلا" مدير هالك بنك التركي من خلال أساليب ودوافع مُصطنعة، وتتحرّك وفقاً لمصالحها الشخصية متجاهلةً القوانين الدولية، وكذلك تدعم التنظيمات الإرهابية التي تمتد في الحدود الجنوبية لتركيا بالسلاح والمال، وعلى الرغم من جميع ما ذٌكر لا تتردد أمريكا في إثارة الفوضى وزعزعة التوازن الدولي من أجل الراهب "برونسون" المُعتقل في تركيا بسبب علاقاته مع تنظيم الكيان الموازي.

هناك مزاعم عديدة وهامّة جداً تشير إلى وجود علاقات بين تنظيم الكيان الموازي والراهب الأمريكي برونسون، وما زالت تركيا تستمر في إجراء التحقيقات الأمنية في هذا الصدد، لكن أمريكا تثير الفوضى وكأن ما تفعله تجّاه تركيا لا يحمل أي معنى وأهمية، وتطالب بإطلاق سراح الراهب بحجّة أنه أسير في تركيا، وإلا سيتم فرض عقوبات اقتصادية على الأخيرة.

اكتسبت مسألة الراهب برونسون أهمية ملموسة ضمن أجندة الدولتين الأمريكية-التركية خلال الفترة الأخيرة، ولذلك كان احتمال ظهور نزاع جديد بين الأخيرتين واضح جداً، لكن الغريب في الأمر هو المشهد الذي رأيناه خلال قمّة حلف الشمال الأطلسي في بروكسل، والذي ظهر فيه أردوغان خلال اجتماع ودّي له مع نظيره ترمب، وبناء على المشهد المذكور توقّعنا أن هذا الاجتماع سيكون مصدراً لإمكانيات جديدة لإيجاد حل للمسائل التي تزيد من زخم التوتر الدولي -بغض النظر عن المسائل المتعلّقة بطائرات F-35- لكن عقب الاجتماع رأينا أن "مايك بينس" نائب الرئيس الأمريكي بدأ بتهديد تركيا، وتبعه في ذلك ترمب أيضاً مهدداً تركيا بفرض عقوبات اقتصادية عليها.

هذه التهديدات تشير -إلى جانب وقاحة أسلوب أمريكا- إلى أنها لا تجري حسابات دقيقة فيما يخص علاقاتها الدولية، إذ كانت واشنطن تهدّد إيران خلال الفترة الأخيرة، وتنوّه إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وإضافةً إلى ذلك أعلنت حرباً اقتصادية ضد الصين، ولذلك أعتقد أنه لا يمكن لأي دولة أن تُدار دون توازن وحسابات وخطّة محكمة إلى هذه الدرجة كما هو الحال الآن بالنسبة إلى أمريكا في ظل قيادة ترمب، لكن الشيء المؤكّد في هذه المسألة هو أنه لا يمكن لأي دولة تطبيق جميع هذه التهديدات في وقت واحد، قد يمكنها تهديد الدول المذكورة في وقت واحدة، وربما تحاول تنفيذ تهديداتها أيضاً، لكنها لن تنجح فيها جميعاً، حتى ولو هذه الدولة أمريكا، والسبب في ذلك هو وجود حدود مفروضة على أي عامل دولي، ولا يمكن لأي دولة أن تواجه جميع الدول معاً، لكن يبدو أن ترمب لا يدرك هذه الحقيقة، ولذلك هدّد ألمانيا خلال الأسبوع السابق، والآن يهدّد تركيا بحجّة الراهب برونسون.

لكن ما هو مصدر جرأة ترمب وتصرّفه بهذا الشكل؟ لأنه يؤمن بأنه يملك القدرة على تنفيذ ما يقوله، ويرى أن تكلفة مثل هذه الأعمال الفوضوية التي يجريها في مجال السياسة الخارجية منخفضة بالنسبة إليه، وينظر إلى كل شيء على أنه أداة يمكن استغلالها في السياسة الداخلية لبلاده، وأقرب مثال على ذلك هو ما فعله ترمب في القدس، إذ يدرك ترمب أن ما يفعله في القدس سيؤدي إلى زيادة دعم الفئة الإنجيلية له في إطار السياسة الداخلية، ولهذا السبب يمكن القول إن ترمب قد يبادر في أشياء غريبة جداً يرى أن تكلفتها منخفضة من أجل توطيد موقعه وقوته في الداخل الأمريكي.

وفي السياق ذاته يؤمن ترمب بأن تكلفة تطبيق الحصار والعقوبات الاقتصادية لن تكون كبيرة بالنسبة إلى أمريكا، أو بالنسبة له على الأقل، وخصوصاً أن ترمب لا يتردّد نهائياً في معاداة جميع دول العالم وبالتالي التسبّب في ضرر مصالح بلاده.

كيف ستكون النتائج بالنسبة إلى تركيا؟ لا أعتقد أن مبادرات ترمب ستؤثر كثيراً على تركيا، حتى ولو أصدر ترمب قراراً ببدء تطبيق العقوبات الاقتصادية، إذ لا يمكن لأمريكا أن تتجاهل أعداءها الحاليين مثل روسيا وإيران والصين لتضع تركيا على رأس قائمة الاعداء، وإن فرضنا أن ترمب حاول تطبيق الحصار على تركيا، لقد رأينا عبر مجرى التاريخ أن الحصار لا يجدي نفعاً في مثل هذا الأوضاع، بل وقد يعود بنتائج سلبية للدولة المنفّذة للحصار أيضاً، لكن ذلك لا يلغ احتمال لجوء ترمب لمثل هذا الأسلوب بهدف زعزعة الاقتصاد التركي من خلال زيادة قيمة الدولار الأمريكي، لكن لذلك حدود دولية أيضاً، لا أعرف إلى أي مدى يمكنهم زيادة قيمة الدولار، لكن أنا متأكد من أن ذلك لن يكون كافياً لإخضاع تركيا.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس