ترك برس

عرفت العلاقات التركية الروسية على مدى السنوات الثلاثة الماضية صعودا وهبوطا، وتحولت بشكل مفاجئ من التعاون في مختلف المجالات إلى المواجهة الدبلوماسية والسياسية التي كادت تصل إلى مواجهة عسكرية خلال أزمة إسقاط الطائرة الروسية في 2015، ثم عادت إلى مناخ التعاون في العام التالي.

ويرى رئيس المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كورتينوف، أن أزمة 2015 حتى وإن كانت قصيرة، كشفت عن هشاشة ومرونة العلاقات الفريدة التي تربط البلدين، وأن السنوات القادمة ستشهد مزيدا من التطورات المفاجئة في العلاقات الروسية التركية التي لا يمكننا توقعها اليوم.

ويلفت كورتينوف في دراسة نشرها موقع المجلس الروسي، إلى أن العلاقة الروسية التركية لها عدد من السمات التي يرجح أن تظل ثابتة في المستقبل المنظور:

أولاً، ستبقى العلاقات بين موسكو وأنقرة مهمة لكلا الجانبين. فروسيا وتركيا جارتان تربطهما علاقات ثنائية واسعة تشمل التجارة والاستثمارات والطاقة والبناء، بالإضافة إلى التأثير المتبادل اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا. وعلاوة على ذلك ترى البلدان أنهما حالة أوراسيوية خاصة في السياسة العالمية تضعهما في رابطة خاصة بهما، وتميزهما عن الدول الأوروبية والآسيوية. لذلك فمن الصعب تخيل أن تبتعد هاتان القوتان عن بعضهما وتفقدان الاهتمام بالعلاقات الثنائية.

ثانياً، سيكون هناك دائماً خليط من المصالح المشتركة والمتوازية والمتداخلة والمتصادمة التي تقود موسكو وأنقرة في التعامل مع بعضهما. وعلى سبيل المثال، تركيا عضو في الناتو، لكنها تخطط لشراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة  (S-400)، ويتعاون البلدان في سوريا، لكن لديهما مواقف متباينة من القيادة السورية الحالية في دمشق، ويهتم الروس والأتراك بالاستقرار في جنوب القوقاز، لكنهما على طرفي النقيض في المواقف.

ثالثًا، ستستمر القوى الخارجية العالمية (الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة) والجهات الفاعلة الإقليمية (إيران ودول الخليج وإسرائيل) في التأثير بعمق في العلاقات بين روسيا وتركيا. ويمكن للاعبين الخارجيين أن يعززوا التقارب بين موسكو وانقرة، ولكن يمكنهم أيضا التفريق بينهما، وذلك بتقديم خيارات بديلة للتعاون الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، لكلا البلدين.

ويضيف كورتينوف أن التعاون بين روسيا وتركيا سيعتمد أيضا على بعض المتغيرات المستقلة، مثل صعود الإرهاب الدولي، وتقلبات أسعار الطاقة، وتقلب النظام الاقتصادي والمالي العالمي، وبشكل أعم، على أساسيات النظام العالمي الناشئ.

ويتساءل كورتينوف: هل يمكن منع تضارب المصالح من تقييد العمل المشترك في المشاكل المشتركة؟ وما الذي يمكن القيام به للحد من مخاطر الأزمات المستقبلية المحتملة بين موسكو وأنقرة؟ وكيف يمكننا التخفيف من الآثار السلبية للعوامل الخارجية في التعاون الثنائي؟

ويرد بأن الإجابة الواضحة على هذه الاسئلة هي إن البلدين في حاجة إلى تعزيز خطوط الاتصال بينهما، ولا يتعلق ذلك بالتحضير لاجتماع أردوغان وبوتين القادم، ولا بتقديم مقترحات فنية جديدة للجنة الحكومية الدولية الروسية-التركية، ولا بالاتصالات الثنائية على الأرض في سوريا.

ويضيف أنه لن تكون هناك ثقة حقيقية بين روسيا وتركيا حتى يتعامل البلدان مع أكثر القضايا حساسية، وأكثرها إثارة للخلاف. وتشمل هذه القضايا المظالم التاريخية المتبادلة والشكوك القائمة حول ادعاء أحد الطرفين دعم الطرف الآخر للجماعات التخريبية والإرهابية على أراضيه، والمخاوف من أن تعيد الدولة الشريكة فجأة النظر في التزاماتها بالتعاون، إذا حصلت على صفقة أفضل من طرف ثالث، وما إلى ذلك.

ووفقا لكورتينوف فإن الأمر الأكثر أهمية هو ألا تقتصر هذه الحوارات على توضيح الخلافات القائمة والروايات المتضاربة، ولكن تحديد السبل التي يمكن من خلالها تجسير الخلافات، والتوفيق بين الروايات.

ويوضح أنه إذا لم يكن حل المشاكل الصعبة ممكنًا في الوقت الحالي، فعلى البلدين محاولة تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع المحتمل. فمثلا سيستمر الخلاف بين روسيا وتركيا حول مشكلة ناغورنو كاراباخ، لكن يمكنهما ممارسة نفوذهما على طرفي النزاع لمنع اندلاع أعمال عدائية عسكرية أخرى. ومن غير المرجح أيضا أن تتوصل موسكو وأنقرة إلى موقف مشترك في شبه جزيرة القرم، لكن يمكن لتركيا أن تلعب دورا إيجابيا مهما في منع مزيد من الاغتراب الثقافي والمدني لسكان التتار القرم.

ومن المهم أيضا، كما يرى الباحث الروسي، التأكد من أن روسيا وتركيا لا يعد التعاون بينهما "الخيار الثاني الأفضل" عندما لا يكون "الخيار الأول الأفضل" متاحًا لهذا السبب أو ذاك.

ويختم  كورتينوف دراسته بالقول بأن "التحالفات الظرفية القائمة على الإحباط المشترك وعقدة الدونية لا تستمر عادة. ونجن  بحاجة إلى أن تكتسب العلاقات بين روسيا وتركيا عمقا استراتيجي خاص بها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!