حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

ما زالت بعض الجهات تحاول المبالغة في سوء العلاقات التركية-الأمريكية، لا يمكن القول إن العلاقات المذكورة رائعة، لكن أيضاً لا يمكن زعم أن الأزمة الموجودة بين الدولتين هي الأعمق من نوعها عبر التاريخ، وهناك بعض المصادر التي تزعم ذلك، ربّما يزعمون ذلك بناء على معلومات خاطئة، أو إنّهم ينشرون هذه الإشاعات لأنهم يرون مصالح لهم في استياء العلاقات بين أمريكا وتركيا، لكن في الواقع إن هذه المزاعم لا تمدّ بأي صلة للواقع المشهود.

لنوضّح هذه المسألة، إن الأزمة الحاليّة لا تقتصر على سوء العلاقات الثنائيّة بين تركيا وأمريكا فقط،  إنما تمثّل أزمةً ينعكس تأثيرها على النظام العالمي الذي أسّسته أمريكا وأصبحت مركزاً لمحوره، إذ رأينا مؤخراً أن واشنطن تعيق سير النظام العالمي الحالي، والذي يُعتبر وليداً لمبادرات الأخيرة، ويعود بالفائدة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بتعبير آخر إن أمريكا تعاني من مشاكل مع جميع حلفائها وأعدائها وليس تركيا فقط، والاعتقدات بعكس ذلك يشير إلى انعدام مجال الرؤية الواسعة عند الجهات عند البعض، مما يؤدي إلى ظهور نتائج خاطئة في التحليلات السياسية للمسألة.

الإدارة الأمريكية لا ترمي إلى خلق عداوة ضد تركيا بالتحديد، وبالتالي إن مواقف الرئيس الأمريكي "ترمب" ومساعده "مايك بينس" لا تنحصر في علاقاتهم مع تركيا فقط، إن المشكلة الرئيسة بالنسبة لترمب وبينس هي سياسة أمريكا الداخلية، ويحاولون الحفاظ على استمرار دعم الفئة الإنجيلية من الشعب الأمريكي لهم، ولذلك إن تصوير تركيا على أنها الهدف والعدو الأول لأمريكا سيوصلنا لنتائج غير صائبة.

هذه الأزمة ليست أكثر عمقاً وزخماً من سابقاتها، على العكس تماماً يمكن القول إنها شبيهة بالأزمات السابقة إلى حد كبير، إضافةً إلى أنها لم تصل لعمق وزخم السابقة أيضاً،  كما أشارت المزاعم الأخيرة إلى أن الأزمات السابقة كانت فردية ولكن الحالية شاملة، في الواقع لم تكن الأزمات السابقة فردية، بل كانت مترابطة ببعضها البعض، على سبيل المثال لم تكن أزمة الصواريخ الكوبية منفصلة عن رسالة جوهنسون، وكذلك كان حصار تركيا جزءاً من قضية قبرص ورسالة جوهنسون أيضاً، والنقطة المشتركة لجميع ما ذُكر هي ظهور أزمة جديد فيما يخص اتفاق 1960-1970 الذي كانت أمريكا مركزاً له في تلك الفترة، وفي السياق ذاته أدت الأزمة الناشئة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي إلى زعزعة ثقة حلفاء أمريكا تجاه الأخيرة، كما أن اتفاق أمريكا مع الاتحاد السوفيتي وسحب الأسلحة النووية دون معرفة تركيا بذلك أدى إلى زعزعة ثقة الأخيرة بأمريكا، وفي تلك الفترة انتهجت واشنطن سياسة التهديد ضد تركيا من خلال رسالة جوهنسون كما هو الحال بالنسبة إلى تهديد ترمب لتركيا في الوقت الراهن.

ردّت تركيا على أمريكا خلال أزمة الـ "خشخاش" -والذي يُعتبر نوعاً من النباتات التي تُصنع منها مادّة الهيروين-، وكذلك وصلت العلاقات الأمريكية-التركية إلى ذروة العمق بعيد أزمة قبرص، وبادرت الحكومة الأمريكية بتطبيق حصار ضد تركيا في تلك الفترة، لذلك إن وصف الازمة الحالية بالأعمق من نوعها لا يحمل أي معنى، لم نصل لدرجة أن تكون الأعمق بعد، إذ لم نرى عقوبات ملموسة وواقعية من أمريكا إلى الآن.

تحاول المعارضة الداخلية في تركيا المبالغة في وصف الأزمة التركية-الأمريكية، وخلق أجواء فوضوية وتصوير الأوضاع على أنها ستكون نهاية تركيا، لكن بالتأكيد لن تستلم الأخيرة أمام تهديدات واشنطن، لقد تخطّت تركيا أزمات أسوأ من الحالية مسبقاً، ويجدر بالذكر أن أمريكا تعتقد أنها تستطيغ الضغط على تركيا من خلال صرف العملة فقط، وأنا أعتقد أن الشعب التركي الذي تصدّى لمحاولة انقلاب عسكري لن يُهزم أمام محاولة انقلاب اقتصادي، بالتأكيد إن التلاعب في صرف العملات هو أمر سيء، لكنه ليس مشكلةً لا يمكن إيجاد حل لها، خصوصاً أن الخسارات الاقتصادية أقل أهميّة بكثير من أن تُقارن بالأمان القومي للبلاد.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس