حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

هناك بعض المفاهيم التي أخجل من استخدامها بسبب كثرة تكرارها بشكل همجي، وخصوصاً مفهوم "تحويل الأزمة إلى فرصة" الذي يستخدمه رجال الأعمال ويطرحونه في ظروف مصيرية، لكن أحياناً يتناسب هذا المفهوم مع الظروف المشهودة بشكل كبير، واليوم تشير الأزمة التي تشهدها تركيا في إطار اتفاق الغرب إلى فرصة يمكن اشتقاقها من الأزمة الحالية.

من المعلوم أن الأزمة التي يواجهها عالم الغرب بأكمله تعكس تأثيرها بنسبة كبيرة على تركيا أولاً، وبالتالي ذلك يفرض على الأخيرة أن تكون أول من يرد على هذا التأثير، وإن تمكّنت تركيا من الثبات على موقفها والاستمرار على المنوال ذاته يمكن تحويل هذه الأزمة إلى فرصة هامّة، إذ حصلت تركيا على دعم الغرب وحمايته لسنوات طويلة كونها جزءاً من هذا الاتفاق، لكن في الوقت نفسه ازداد ارتباط تركيا بالغرب مع مرور الوقت، ولم تستطع تركيا التخلّي عن هذه الراحة والرفاهية لمدة طويلة جداً.

إن المسألة ليست بهذه السهولة، خصوصاً أن مثل هذا الارتباط يدفع الدول والإداريين للكسل والخمول، وبالتالي لا يكون هناك أي سعي للبحث عن روابط جديدة نظراً إلى وجود روابط مُنشأة ومجهّزة مسبقاً، وعموماً تفضّل الدول تدبير أمورها بالروابط والعلاقات الموجودة بدلاً من المخاطرة والدخول في مجالات واتفاقات جديدة.

كانت مسألة الإبحار في اتفاقات وعلاقات جديدة ضمن جدول أعمال السياسة الخارجية التركية لسنوات عديدة، وقد ذكرت بعض الجهات هذه المسألة مشيرة إلى ضرورة تعدّد الاتفاقات وتوسّع تركيا في علاقاتها الدولية، كما تم تداول هذه المسألة لمرات عديدة لدى إدارات حزب العدالة والتنمية، لكن كما نذكر جميعاً لم تكن هناك مبادرات كافية لذلك في تلك الفترة، وبالتالي بقيت تركيا مرتبطةً بالغرب بنسبة هامّة، وقد رأينا هذا الواقع في الساحة السورية بأوضح أشكاله.

تُعتبر تركيا جزءاً من اتفاق الغرب منذ عهود الحروب الباردة إلى يومنا هذا، ولذلك كانت تعتمد على هذا الاتفاق عندما تواجه أزمات كبيرة، وفي الوقت نفسه لم تحاول تركيا تطوير علاقاتها مع حلفائها خارج اتفاق الغرب في الظروف الطبيعية، أو يمكن القول إن تركيا أجّلت هذه المسألة في عهد الستينات والسبعينات، وكانت الدولة الأكثر خسارةً بسبب ذلك، في حين أن بعض الدول مثل فرنسا كانت تسعى للوصول إلى ذلك تزامناً مع المرحلة ذاتها.

مع بداية العهد الثاني للحروب الباردة في الثمانينات ازدادت قيمة تركيا مرة أخرى، وعادت الأخيرة للاعتماد على الغرب بنسبة كبيرة.

مع انتهاء عهد الحروب الباردة أي في التسعينات بدأت تركيا تشعر بالقلق، وبدأت تتساءل إن كانت قيمتها ستقلّ مرة أخرى، وبناء على ذلك حاول البعض إثبات أن تركيا هي دولة مفيدة جداً بالنسبة إلى الغرب، وعادوا لاستغلال جميع الأدوات مثل الجغرافية والثقافية والتاريخية والإديولوجية في هذا السبيل، وزعموا أن تركيا هي جسر هام جداً بالنسبة للغرب، وقد امتدت هذه المزاعم إلى الوقت الراهن لكن ربما بشكل آخر، لكن كل ما فُعل خلال هذه المراحل كانت عبارة عن محاولات لبيع تركيا للغرب.

كانت تركيا تحاول إقناع الغرب خلال الأزمات الكبيرة مثل الأزمة السورية بدلاً من تطوير قدراتها على تدبير أمورها بنفسها، وكان يُزعم أن الغرب سيتدخّل في مجرى الأحداث السورية خلال أسابيع قليلة نظراً إلى استخدام نظام الأسد للأسلحة الكميائية، ومرّت سنين على هذه المزاعم ولم يتم تنفيذها إلى الآن، ولم يهتم الغرب لأمر سوريا، ولم يعط أي قيمة لتركيا بل وحاول إحباطها أيضاً، وتوضّح أن القيم الهامّة مثل الجغرافية والثقافية والتاريخية والإديولوجية تحمل أهمية بالنسبة إلى صاحب هذه القيم فقط، وأن جميع القيم التي لا تجد مقابلاً من الطرف الآخر ولا تملك بنيةً تحتيةً قوية تكون غير قابلة لإضفاء القيمة لها.

في الوقت الراهن أصبحت تركيا تتخذ خطوات نوعيّة خلال الأيام المتأزمة، وتسعى لتأسيس اتفاقات جديدة بما يتناسب مع مصالحها القومية والمحلية بدلاً من مصالح الغرب، إذ يتم تقديم استثمارات كبيرة في إطار الصناعة الدفاعية الوطنية للمرة الأولى، وكذلك يتم توليد سياسات جديدة مع الدول خارج اتفاق الغرب للمرة الأولى، أي إن تركيا دخلت في طريق صعب، ولم تعد الحليف الهادئ والصادق للغرب، بل أصبحت عاملاً يضع جميع استثماراته بما يعود بالفائدة لمصالحه القومية.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس