مصطفى بارودي - خاص ترك برس

المؤلم والمؤسف له حقاً أن السلوك البشري السائد عند مقتل عشرات بل مئات الآلآف من الأطفال والنساء والشيوخ لايحرك الشعور الإنساني ولا حتى ما يسمى المجتمع الدولي كما لو حدث ذلك مع شخصية كبيرة وشهيرة والتي تصل تداعيات مقتلها إلى شن حروب عالمية أو خروج جيوش أجنبية من دول كانت متواجدة على أراضيها. 

وليس هذا أمراً جديداً على هذا المجتمع الدولي,وإنما هو حاله منذ مطلع القرن الماضي على أقل تقدير.  

فبمناسبة مرور 100 سنة على إندلاع الحرب العالمية الأولى،أقامت بعض الدول التي شاركت بها الفعاليات الرسمية إحياء لتلك الذكرى،وقام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعوة ما يقارب 70 من كبار قادة العالم إلى باريس هذه السنة للمشاركة في إحياء الذكرى المئوية الأولى للحرب العالمية الأولى،وذلك بعدما قضى إسبوعاً يجول في ساحات المعارك في شمال فرنسا. 

حَيثُ حَثَ القادة على عدم نسيان عمليات القتل التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى. 

بعد مئة سنة على مرور تلك المذبحة الكبيرة بحق البشرية والإنسانية جمعاء,أقل ما يجب علينا هو إستذكار السبب المباشرة الرئيسي لأنطلاق الشرارة الأولى لبداية نشوب تلك الحرب ألا وهي إغتيال ولي عهد النمسا والمجر فرانز فردنياند مع زوجته سنة 1914 أثناء زيارتهما لسراييفو في منطقة البوسنة والهرسك على يد طالب صربي. 

ويرصد الدارسين جملة من الأسباب غير المباشرة أيضاً لأندلاع الحرب العالمية الأولى أذكر منها السياسية,وهي توتر العلاقات الدولية حينها بسبب أزمات عديدة كأزمة البلقان والصراع الحدودي الفرنسي الألماني،ونمو النزعة القومية داخل أوروبا وتطلع بعض الأقليات فيها إلى الإستقلال،أما الأسباب الإقتصادية فهي تزايد التنافس الإقتصادي والتجاري بين الدول الكبرى للسيطرة على الأسواق لتصريف الإنتاج الصناعي الفائض جراء الثورة الصناعية حينها، وإقتسام النفوذ عبر العالم ، وقد دامت تلك الحرب أكثر من أربع سنوات تحولت خلالها من حرب أوروبية إلى حرب عالمية. 

وقد دخل وقف أطلاق النار حيز التنفيذ في الساعة 11 من صباح يوم 11 من الشهر 11 من سنة 1948،وتسببت تلك الحرب بمقتل أكثر من ثمانية ملايين شخص وجرح وفَقد ملايين آخرين وخلفت خسائر إقتصادية وإجتماعية كبيرة. 

أما ما يهمنا فهو العواقب والمآلات السياسية،فقد تفككت الأنظمة الأمبرطورية القديمة، وسقطت الأسر الحاكمة،وظهرت دول جديدة وتغيرت الحدود التي تفصل الدول الأوروبية، وكذلك في المنطقة العربية أيضاً،وقامت الثورة الروسية التي طبقت أول نظام إشتراكي في الإتحاد السوفيتي 

ومن إغتيال الأرشيدوق فرانز جوزيف الأول فردينان ولي عهد النمسا و المجر. 

ننتقل إلى 14 شباط 2005 حين وقع اغتيال رئيس وزراء لبنان السيد رفيق الحريري 

 في انفجار 1000 كغ من المتفجرات نتج عنه مقتل الرئيس الحريري مع 21 شخصاً آخرين وهو الانفجار الذي وصف حينها بالزلزال وفجَّر ما يسمى ثورة الأرز التي تمثلت في المظاهرات الشعبية التي ملأت الساحات اللبنانية وخاصة في بيروت عقب إغتيال الرئيس الحريري، والتي تمخضت عن ولادة تيار 14 آذار الذي بدأ يطالب بقوة بالسيادة والإستقلال للبنان، ولذا سميت أيضاً إنتفاضة الإستقلال. 

لماذا اغتيل شخص كبير مثل الرئيس الحريري؟لقد كان يقف ضد الطائفية والمذهبية وخير دليل على ذلك مِنَحه العلمية الكبيرة،فقد قام بتدريس عشرات آلاف الطلاب اللبنانيين على نفقته دون تمييز بين أحد،والأهم من ذلك وقوفه سد منيعاً ضد التوسع الأقليمي والنفوذ الخارجي في داخل لبنان وخارجه وغير ذلك كثير مما لا يرضي بعض الدول الأقليمية. 

وماهي تداعيات اغتيال شخصية كبيرة مثله؟كان من تداعيات اغتيال الرئيس الحريري انتفاضة الاستقلال الثاني اللبناني التي طالبت بإقالة مسؤولي الأمن العام في لبنان,وتنظيم انتخابات برلمانية حرة جديدة وإنهاء نفوذ سورية في لبنان وخروج جيشها منه,وقد تم ذلك بالفعل.

فقد أُقيل مدراء الأمن الأربعة وتم إعتقالهم ونظمت إنتخابات برلمانية جديدة،وبدماء الرئيس الحريري التي سالت على تراب بيروت التي ُيحب خرج آخر جيش أجنبي من لبنان الذي يقدرعديده حينها 14.000 عسكري بالإضافة للعناصر الاستخباراتية، خروجاً غير لائق،وإن كان نفوذه بقي وازداد أكثر فأكثر في مؤسسات الدولة اللبنانية بمساعدة بعض الفرقاء اللبنانيين،وصدر عفو عام عن بعض الشخصيات التي خرجت من محبسها كالحكيم سمير جعجع وعاد المنفيون كالجنرال عون الذي وصف عودته وليد بيك جنبلاط بالتسونامي. 

وفي حالتي الاغتيال السابقتين حدثت تداعيات وعواقب كبيرة بعد وقوعهما أدت إلى تغيرات جوسياسية وعسكرية ومخابراتية كبيرة في عالمنا. 

أما عملية الاغتيال الكبيرة الثالثة خلال 100 سنة الماضية فهي اغتيال الشهيد جمال خاشقجي رحمه الله تعالى التي لم تكن مقدمة لحدث بقدر ما تعتبر من تداعيات ثورات الربيع العربي على عكس الحالتين السابقتين. 

ولنربط بينهما ونضع يدنا على الفوارق نقول إن العمليتين الأوليتين كانتا بداية وتمخضت عنهما ماآلات وعواقب كبيرة،أما الحالة الثالثة فإننا نسأل:هل سوف يكون لها عواقب سياسية وعسكرية غيرالعواقب القضائية الجنائية بحق المنفذين الجناة؟ما هو أقل شيء يجب أن يحدث نتيجة ذلك الفعل الأجرامي الشنيع هذا؟ 

لقد ذكرت في مقال سابق أن أبا صلاح (كما يحب أصدقاءه منادته) لم يكن معارضاً للعائلة المالكة ولم يطالب بتغيير نظام الحكم في بلاده،بل كان يعتبر نفسه ملكياً وابن المؤسسة الملكية الحاكمة وصحفياً مخضرماً في السياسة الخارجية،كما كان داخل دائرة الديوان الملكي لفترة طويلة،ولم يشكك يوماً في شرعية الحكم الملكية ولا قواعد تداول الحكم في المملكة،وكان مؤيداً لحكم الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير محمد بن سلمان ولي عهده.  

لقد كان جمال خاشقجي صاحب فكر فريد وقلم حر،إنه بالفعل شهيد الكلمة والفكر الحر

يذكرنا بمن يشبهه من الأحرار كالصحفي سليم اللوزي مؤسس مجلة الحوادث،والصحفي جبران التويني صاحب الكلمة الحرة والقَسم الشهير الذي بإغتياله أظلمت نهاره التي يحب وكان ذلك بتفجير غادِر لإسكاته في بيروت مع ثلة من مناضلي 14 آذار الأحرار. 

بعد 7 سنوات مرت بالربيع العربي كانت لها تداعيات كثيرة ومحطات كبيرة،وصل بنا الحال إلى تصفية رمز من رموز الإعتدال والفكر المنير والمؤثر في الصحافة والرأي العام العالمي إدراكاً لخطر الشهيد أبو صلاح على من أعطى الأوامر بتصفيته لفرقة الإعدام في القنصلية ودرءاً منه لما قد يحدث في عالم السياسة الدولية نتيجة فكره وكلمته فيما يخص المنطقة العربية والعالم الأسلامي عند صناع القرار الغربي و الأمريكي،وتحديداً لما كان يكتبه في عموده في جريدة واشنطن بوست والذي كان مؤثراً بعض الشيء في تحركات السياسة الأمريكية. 

كل أحرار العالم سآءهم فقدك يا أبو صلاح،وكل طغاة العالم مسرورين بما فعله المجرمين.

فهل نشهد تداعيات كبيرة تنتج عن إغتيالك؟هل يتصدع جدار الطغاة في منطقتنا من ذلك؟ 

لقد وصلت قضية إغتيال الرئيس الحريري إلى ما يسمى المحكمة الدولية الخاصة بالبنان. 

 فهل تصل قضية الشهيد جمال خاشقجي رحمه الله تعالى إلى تحقيق دولي كما يُطلب الآن؟ 

هل يُسقى الربيع العربي بدمك الزكي ليشب مزهراً من جديد روح وريحان وجنة نعيم؟ 

نقول كما قال النعمان بن منذر ملك الحيرة وكما ختم الرئيس رجب طيب أردوغان كلامه عنك ذات مرة:( إن غداً لناظره قريب ). 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس