ترك برس

تبذل تركيا جهودًا لتحرير سوق الطاقة وتوسيع قدرات التخزين في السنوات الأخيرة، من خلال العمل كشريكٍ رئيسيٍّ في مشاريع أنابيب الغاز متعدّدة الجنسيات. وقد سرّعت تركيا من خطواتها لأجل تأسيس سوق تداول الغاز، كما تُسرّعُ جهودها لتنويع مصادر الطاقة لديها بهدف ضمان أمن إمدادات الغاز الطبيعي من خلال الاتفاقات الثنائية ومشاريع البنية التحتية الرئيسية، وأخيرًا تحقيق هدف أن تصبح مركزًا لتجارة الغاز.

في الآونة الأخيرة، شاركت تركيا في مشروعين مهمّين للأنابيب الغازية متعدّدة الجنسيات، وهما خطّ أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول "تاناب" TANAP، والسيل التركي TurkStream. بعد إطلاق تاناب، أصبح السيل التركي يمثل تأكيدا آخر لتركيا على اهتمامها بنقل الطاقة وتجارتها.

وبقدر ما تكون تركيا أيضًا دولة عبورٍ للطاقة بسبب موقعها بين المنتجين والمشترين، فإنها تتحركُ بسرعةٍ نحو إنشاء مركز يُمكّن المستهلكين والموّردين من التجارةَ بأسعارٍ تحدّدها ديناميكيّاتُ السوق الحرّة.

تمّ تنفيذُ أول خطوةٍ عملاقةٍ في مجال الطاقة في منتصف حزيران/ يونيو من هذا العام مع إطلاق تاناب، وهو مشروعٌ للطاقة متعدّد الجنسيات، مع شركاء مثل "بريتيش بيتروليوم" BP وشركة أنابيب البترول التركية بوتاش BOTAŞ، وشركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان سوكار SOCAR.

يُعدُّ تاناب القسم الأكبر من مشروع ممرّ الغاز الجنوبي SGC. وقد تمّ ربطُ تاناب البالغ طوله ألفا و850 كيلومترًا مع مشروع خطّ أنابيب البحر الأدرياتيكي تاب TAP والبالغ طوله 878 كيلومترًا، في نهر ماريتسا الواقع على الحدود بين تركيا واليونان.

يُنظرُ إلى خطّ الأنابيب كخطوةٍ يُتوقّعُ أن تكسب تركيا من خلالها هيبةً سياسيةً واقتصاديةً أكبر، فهي تجلبُ الغاز من حقل "شاه دينيز 2" إلى الحدود التركية عبر جورجيا من خلال خطّ أنابيب جنوب القوقاز، ليتّصل بعد ذلك بـ"تاب" على حدود "إبسالا" التركية، حيث يقوم بتسليم الغاز الأذريّ إلى الأسواق الأوروبية من خلال أنابيبٍ في كلٍّ من اليونان وألبانيا والبحر الأدرياتيكي قبل وصوله إلى شاطىء جنوب إيطاليا. ومن المتوقّع أن تبدأ شركةُ تاب بتوصيل الغاز إلى الأسواق الأوروبية في الربع الأول من عام 2020.

وسوف تبلغُ القدرةُ السنويّةُ المبدئيّةُ لـ تاناب 16 مليار متر مكعب، ستسحبُ تركيا منها 6 مليارات متر مكعب، في حين سيتمُّ تسليمُ الـ10 ملياراتٍ المتبقية إلى أوروبا. وستتمُّ زيادةُ سعة نقله إلى 24 مليار متر مكعب ومن ثم إلى 31 مليار متر مكعب من خلال استثماراتٍ إضافية.

ووفقًا لهيئة تنظيم سوق الطاقة "إيمرا" EMRA، تستوردُ تركيا قرابة 6.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من أذربيجان سنويًّا عبر خطّ أنابيب باكو - تبيليسي - أرضروم. وسوف يرتفعُ هذا المقدارُ إلى 12.6 مليار متر مكعب، بعد أن ينقل تاناب 6 مليارات متر مكعب إضافيّ من الغاز الطبيعي إلى تركيا.

وجاءت خطوةُ الطاقة الرئيسية الثانية لهذا العام مع مشروع خطّ أنابيب الغاز الطبيعي السيل التركي، الذي يُعدُّ علامةً بارزةً للتعاون في مجال الطاقة بين تركيا وروسيا. وقد أُقيم حفلُ استكمال الجزء البحريّ من المشروع يوم الاثنين الذي وافق التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في إسطنبول، بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يُعتبرُ السيل التركي، واحدًا من مشاريع الطاقة الحيوية لتركيا لكي تصبح محورًا في تجارة الطاقة، ويتكوّن من خطّي أنابيب، كلٍّ منهما يبلغ طولُه 930 كيلومترًا. تمّ الإعلانُ عن المشروع لأول مرةٍ من قبل بوتين في عام 2014، عندما اقترح خططًا لإيجاد مشروعٍ بديلٍ للسيل الجنوبي، مع دولةٍ ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبيّ.

في اجتماع مجلس التعاون التركيّ الروسيّ رفيع المستوى في الأول من كانون الأول/ ديسمبر عام 2014، أعلن بوتين أن روسيا ألغت مشروع السيل الجنوبي، وفي اليوم نفسه أعلن رئيسُ شركة غازبروم الروسية العملاقة، أليكسي ميلر، عن مشروعٍ جديدٍ لخطوط أنابيب الغاز.

يملكُ مشروعُ السيل التركي قدرة نقل سنوية تبلغُ 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، كلٌّ من الخطّين بسعة 15.57 مليار متر مكعب. في حين أن الخطّ الأول سوف يوفّر الغاز الطبيعيّ للسوق التركيّ، فإن الخطّ الثاني سوف ينقلُ الغاز إلى الدول الأوروبية عبر طريق دول البلقان.

ستكونُ قدرةُ الخطّ الأول كافيةً لتلبية متطلبات المدن التركية الكبرى، كإسطنبول والمراكز الصناعية الأخرى، لذلك، يُعتبر المشروعُ مساهمةً هامّةً في توفير الطلب التركيّ على الغاز الطبيعيّ للإنتاج الصناعيّ.

يتكوّن المشروع من جزءٍ من الساحل تبلغُ مساحتُه 930 كيلومترًا، وقطعةً بحريّةً بطول 225 كيلومترًا على الأراضي التركية. وتمتدُّ خطوط الأنابيب بين ميناء أنابا الروسيّ وتراقيا التركية، ثمّ كأنبوبٍ تحت الأرض إلى الحدود التركيّة الأوروبية.

ذكرت صحيفةُ كوميرسانت الروسيّة اليوميّة، يوم الخميس 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، أن الخطّ الثاني من السيل الجنوبي سيصلُ إلى أوروبا عبر بلغاريا وصربيا والمجر وسلوفاكيا.

وكان الحفلُ الذي عُقد يوم الاثنين بمثابة منصّةٍ مهمّةٍ لإعادة التأكيد على طموح تركيا في أن تصبح مركزًا تجاريًّا يعتمدُ على ديناميكيّات السوق الحرّة. حيث أشاد وزيرُ الطاقة والموارد الطبيعية، فاتح دونماز، أثناء حديثه في الحفل، بمشروع السيل الجنوبي كصفحةٍ جديدةٍ في سوق الطاقة التركيّ.

وقال دونماز إن هدف تركيا هو أن تصبح مركزًا للطاقة يتمُّ دعمُه من خلال الإرادة السياسيّة القويّة والاستقرار في البلاد. وأضاف: "تهدف تركيا لأن تصبح مركزًا للطاقة، حيث يلتقي المشترون والبائعون، وحيث يتمُّ تحديدُ الأسعار". مؤكدًا على أن البلاد تتّخذُ خطواتٍ مهمّةٍ لتحقيق هذا الهدف من خلال مشروع السيل الجنوبي، الذي قال إنه سيكون عاملًا موحّدًا في الدول حيث يتمُّ نقلُ الغاز."

يضعُ المشروعُ تركيا في مقدّمة نظام التسليم المعقّد ويسهّلُ توصيل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ممّا قد يعزّز الموقع الاستراتيجيّ للبلاد كبوّابة لأمن الطاقة الأوروبيّ.

وفي أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي، أطلقت بورصة الطاقة في إسطنبول إبياش (EPİAŞ) نظامها الخاص بتجارة الغاز الطبيعيّ في بورصة الأوراق المالية في محاولةٍ منها لزيادة تحرير سوق الغاز. كجزءٍ من جهود تركيا لتصبح مركزًا لتجارة الغاز الطبيعيّ، وطوّرت إبياش نظامًا برمجيًّا يسمح بتداول الغاز الطبيعيّ عبر منصة إلكترونيّة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!