ترك برس

رأى خبير اقتصادي أن الحكومة التركي اتبعت حزمة من الإجراءات الاقتصادية ساهمت بشكل كبير في تحويل دفة المؤشرات الاقتصادية لأداء إيجابي عقب الأزمة التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.

وقال خبير الاقتصاد عبد الحافظ الصاوي، إن عام 2018 لم يكن مريحًا للاقتصاد التركي، بل كادت أن تعصف أحداثه بحصاد التجربة التركية على مدار السنوات الـ 15 الماضية، إلا أن روح قبول التحدي، ومواجهة النتائج السلبية للتحديات السياسية والاقتصادية، جعلت المواطن، يرى الآثار الإيجابية تتحقق في الأجل القصير، وأن ما اتخذ من قرارات صعبة، كان الدواء المرّ للتوجه لمرحلة  جديدة.

وأكّد الصاوي، في تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد، أن الأزمة الاقتصادية العنيفة التي شهدتها تركيا في النصف الثاني من 2018، تجلّت مظاهرها السلبية بقوة في تراجع قيمة الليرة بنحو 60% عما كانت عليه في يناير 2018.

كما ارتفع سعر الفائدة على القروض بالبنوك إلى 24%، وصعد معدل التضخم إلى 25% نهاية أكتوبر 2018، وكان من الطبيعي أن تشهد البطالة ارتفاعًا لمعدلاتها مع هذه الأزمة فوصلت إلى 11.1% نهاية أغسطس 2018، وفق بيانات المعهد التركي للإحصاء.

لكن مع وجود هذه المؤشرات السلبية، اتبعت الحكومة حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي ساهمت بشكل كبير في تحويل دفة المؤشرات الاقتصادية لأداء إيجابي، لدرجة أن البعض قد يذهب إلى أن هذه الأزمة كانت ضرورية لكي يتم تصحيح أوضاع خطأ ظلت كامنة في بنية الاقتصاد.

وحسب الصاوي، يتوقع في ضوء التطور الإيجابي على أكثر من صعيد أن يتحسن الاقتصاد التركي خلال عام 2019، بشكل أفضل مما كان عليه قبل الأزمة، ودلالة ذلك في ما يلي:

- ثمة تطور إيجابي في ما يخص أداء الميزان التجاري السلعي، إذ تشهد الصادرات زيادة مطّردة، وتشهد الواردات السلعية تراجعًا ملحوظًا، فقد بلغت الصادرات السلعية 16.4 مليار دولار نهاية أكتوبر 2018، بينما بلغت الواردات السلعية 15.6 مليار دولار، وهو ما يعني وجود فائض تجاري بنحو 799 مليون دولار خلال أكتوبر الماضي، وهو أمر لم يتحقق على مستوى الأداء الشهري منذ فترات طويلة.

وفي الشهر نفسه حقق ميزان الخدمات فائضًا بنحو 3.8 مليارات دولار، ليتقلص العجز الجاري خلال الفترة من يناير - أكتوبر 2018 لنحو 27.1 مليار دولار، وإذا ما حافظت تركيا على هذا الأداء فمن المتوقع أن يتحسن العجز في الميزان التجاري بصورة كبيرة، مقارنة بما انتهى إليه في 2017، حين بلغ العجز التجاري آنذاك 47 مليار دولار.

وتستلزم السياسات التي أدت إلى هذه النتائج الإيجابية في مجال التجارة السلعية والخدمية، أن تستمر في الفترة القادمة وبما يحافظ على وضع تنافسي لتركيا، وليس الانغلاق أو التراجع عن سياسات التجارة الحرة وتنافسية المنتجات التركية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

- تحسن سعر الليرة أمام الدولار، لتستقر في تعاملات عرضية خلال الأسبوعين الأول والثاني من نوفمبر 2018 عن مستوى 5.35 - 5.25 ليرة للدولار، بعدما كانت تتجاوز 7 ليرات للدولار في أغسطس 2018.

وقد تشهد الليرة المزيد من التحسن بعد بيانات البنك المركزي عن أداء ميزان المدفوعات في أكتوبر، وكذلك تدفقات النقد الأجنبي خلال الأيام الباقية من 2018، بسبب تدفقات السياحة في أعياد الكريسماس، التي تستقبل فيها البلاد زيادة ملحوظة في أعداد السائحين الوافدين، وخاصة من الدول الأوروبية.

وبناءً على هذا التحسن، ألغت الحكومة بعض القيود المتعلقة بالتعامل بالعملات الصعبة في السوق المحلي، كما حدث من خلال عودة السماح بدفع الإيجارات الخاصة بالعقارات أو شرائها أو بيعها. وهذا المؤشر يعطي دلالة على أن هناك وفرة في النقد الأجنبي بالسوق، بالصورة التي لا تسمح بوجود أزمة.

** حوافز خارجية

مما يساعد الاقتصاد التركي على تحسن مؤشراته العامة، كنتيجة لتحسن أدائه، خفض سعر النفط في السوق الدولية، إذ تراجع سقف سعر برميل النفط من نحو 80 دولارًا للبرميل إلى 63 دولارًا للبرميل مطلع نوفمبر 2018، وهو ما سيعود على تكلفة الإنتاج في تركيا بصورة إيجابية، لأن البلاد مستورد صاف للطاقة، وكانت قد رفعت سعر توريد الغاز الطبيعي للمنازل بنحو 9% وللمصانع بنحو 14%، علمًا بأن فاتورة استيراد الوقود في تركيا ارتفعت بنحو 10 مليارات دولار في العام 2017 لتصل إلى 37 مليار دولار، مقابل 36 مليار دولار في العام 2016.

وانخفاض تكلفة الوقود سيدفع الحكومة إلى خفض تكلفة الطاقة في الأسواق، وهو ما سيدفع في اتجاهين إيجابيين خلال العام 2019، زيادة تنافسية الصناعات والخدمات التصديرية، وخفض أعباء المعيشة، التي شهدت تحسنًا طفيفًا في نوفمبر 2018، إذ أعلن البنك المركزي انخفاض معدل التضخم إلى 21.6% مقابل 25.2% في أكتوبر 2018.

وتتبنى الحكومة سياسة تحفيزية للاستثمار في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو ما مثل رافدًا مهمًا لاستقدام المستثمرين الأجانب، سواء في مجالات الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح.

ومن شأن الخطوات التي اتخذتها الحكومة بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، أن تؤدي إلى مساحة أكبر للحكومة في التعامل مع ملف الطاقة، وتسمح بتخفيف الاعتماد على استيراد النفط والغاز من الخارج، وبخاصة أن تجارب دول الجوار والشركاء في هذه المنطقة، كللت تجاربهم بالنجاح، وتم استخراج كميات ليست بالقليلة من الحقول المتاحة في المنطقة المشتركة.

** سياسة حكيمة تجاه سعر الفائدة، ما زال سعر الفائدة بالبنوك التركية عند سقفه الأعلى الذي أعلن إبان أزمة الليرة، وهو 24%، وثبت البنك المركزي هذا السعر خلال اجتماعه الأخير، لكن هذا المعدل مرتفع فعلًا، ويمثل أحد معوقات الاستثمار.

وعلى ما يبدو فإن صانع السياسة النقدية يهدف إلى تأخير خطوة الاقتراب من مساحة خفض سعر الفائدة، لحين تحسن مؤشرات تدفق العملات الأجنبية بشكل أكبر مما هي عليه، وكذلك ضمان ألا يؤثر قرار خفض سعر الفائدة على سعر الليرة، الذي يحرص البنك المركزي على استقراره، وتحسن الليرة تجاه العملات الأجنبية بشكل يتسم بالتدرج والبطء، حتى لا تشهد الأسواق هزات عنيفة مرة أخرى.

ختامًا، لم يكن الأمر سهلًا في المواجهة، ولا في الثمن الذي دفع لمواجهة تحديات الأزمة التركية، فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد من 115.2 مليار دولار في يناير 2018 إلى 86.1 مليار دولار في أكتوبر 2018، أي إن الاحتياطي فقد نحو 29.1 مليار دولار خلال تلك الفترة.

كما أن الفترة من أغسطس إلى سبتمبر من العام 2018 حملت صورة سلبية عن أداء الاقتصاد، بسبب التراجع الشديد في قيمة العملة، على الرغم من البنية الاقتصادية التي تمتاز بها تركيا.

ومن هنا، فالدرس هو أنه لا بد من المعالجات السريعة والحاسمة للثغرات، وإن كانت الحكومة قد نجحت في كبح تطلعاتها في تمويل مشروعات عبر الديون الخارجية، فعليها القيام بالمهمة الكبرى للقطاع الخاص، لكي يتصرف في ضوء قواعد مالية قوية لا تعرضه، ولا تعرض الاقتصاد لهزات عنيفة.

وكما ذكرنا مرارًا على الحكومة والقطاع الخاص التوسع في التمويل بالمشاركة، والبعد عن التمويل بالديون، وبخاصة في ظل مخاوف دولية من عودة الأزمة المالية العالمية، بسبب الديون المتراكمة على مستوى الدول، وعلى مستوى العالم. ولعل الأزمة كانت إشارة مبكرة لتركيا لتتجنب الأزمة العالمية القادمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!