أحمد الهواس - خاص ترك برس

تريد تركيا – التي مُنعت – قبل ست سنوات من إقامة منطقة آمنة على حدودها , أن تصنع واقعًا جديدًا ليس على المستوى السوري فقط , بل على مستوى الأمن القومي التركي , فهي إن نجحت في المعركة السياسية وإرضاء الأطراف الفاعلة ولاسيما الولايات المتحدة , فستكون المعركة العسكرية نزهة بالنسبة لها .

فهي تريد منطقة لا وجود ولا سيطرة للبككا عليها , حتى لا تتحول تلك المنطقة لخنجر في خاصرتها , ولكنها لا تمانع بأن يكون للأكراد السوريين دور كبير فيها من خلال المجالس التي ستتولى قيادة المنطقة , ولكن الأكراد الذين على علاقة جيدة مع الأتراك ولديهم مقاتلون شاركوا في عملية غصن الزيتون إلى جانب القوات التركية , فالمشروع التركي يقوم على :

- منع البككا من السيطرة على المنطقة .

- صنع حاجز بشري "منوع" داخل سورية يحول دون اتصال أكراد تركيا بأكراد سورية , ويشكل فيما بعد خطرًا على وحدة تركيا .

- نقل اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري .

يبدو أن ثمة عوامل قد أعطت تركيا أملاً في أن تبدأ عملياتها المتوقعة في شرق الفرات , ولعل ما خفي منها أن أمريكا على استعداد لأن تغض الطرف عن دخول أنقرة للشمال السوري مقابل أن تتخلى أنقرة عن فكرة إسقاط النظام السوري , أو أن تقول : إنّ الأمر عائد للشعب السوري , وهو صاحب القرار في ذلك , وأن تقوم ببناء تلك المساحة , وتكون فيما بعد موئلاً للنازحين واللاجئين , ويتكفل الاتحاد الأوربي بتقديم الدعم لتلك البقعة مقابل إعادة قسم كبير من اللاجئين لتلك البقعة .

وهذا يعني أن "قسد" لم تكن إلاّ طوق نجاة للنظام لإشغال تركيا , وجرّها نحو حل مشكلة تشكّلت أمام عينها ونمت وأصبحت قوة على الأرض , قوة تدعمها أمريكا وروسيا والرياض وأنقرة وتل أبيب , ولا يخفى دور النظام وإيران !

تركيا أمام صفقات تتنوع بين محلية وإقليمية ودولية , يتوجب عليها أن تصل لنتائج مرضية مع أكراد الداخل , ومع دول الجوار , ومع أمريكا وروسيا , ولابدّ أن سيناريو ما قد تمّ الاتفاق عليه , وإلاّ فإن الحرب بوصف تركيا دولة غازية قادمة وسوف تتكفل بها الجيوش العربية الوظيفية !

الإشكالية في حدود وحجم تلك المنطقة التي تتحدث بعض التقارير عنها أنها بعمق 32 كلم وقد تمتد لطول 460  كلم , وهنا تبقى رهن التكهنات أو لنقل رهن الصفقات التي تمّت أو أنها ستتم , لا سيما وأن ثروات المنطقة وحدودها السياسية تزيد في  أهميتها وربما تعقّد في مشكلتها !

فمشكلة المنطقة الشرقية والجزيرة الفراتية في سورية ليست في وصفها خزين سورية الاستراتيجي في المياه والزراعات الاستراتيجية والثروات الباطنية وعلى رأسها النفط والغاز ، بل في كونها كلمة السر في أي مشروع وحدوي بين سورية والعراق ، وهي المنطقة التي تتداخل وجودًا وعدمًا في أمن واستقرار تركيا ، وهي الطريق الواصل أو المانع للتوسع الإيراني ، وهي لب (الكتلة الصلبة )العرب السُنة التي تمتد بين سورية والعراق ، لاسيما أن الجزء العراقي هو من أذل الأمريكان بعد غزو العراق وبات يعرف بمثلث الموت !

ستعمد تركيا بعد إقامة تلك المنطقة إلى "لبننة" اجتماعية ومن ثم سياسية , بمعنى أنها لن تسمح أن تكون تحت سيطرة مكون واحد , فهي لا تريدها كردية للأسباب التي ذكرنا , ولا عربية لأن جنوب تركيا عربي أيضا , بل ديمقراطية توافقية , حيث وجود أعراق وقوميات وأديان مختلفة , وسوف تبقى تلك المنطقة مدة ربما تقارب الخمس سنوات , وفي مقابل ذلك سيكون ما تبقى من سورية تحت حكم النظام أو تساند الأقليات حتى توضع خارطة طريق لصناعة الاتحاد السوري أي أنّ الدولة المركزية في سورية قد انتهت فعلياً.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس