ترك برس

في قلب حي السفارات ببلدية تشانكايا في العاصمة التركية أنقرة، يقع مسجد حسن تانيك الذي يعد المسجد الوحيد من بين مساجد تركيا التي يبلغ عددها 80 ألف مسجد الذي تلقى فيه خطبة الجمعة باللغة الإنجليزية وليس اللغة التركية أو الكردية أو العربية.

بدأ الإمام محمد عاكف كوتش أستاذ التفسير في جامعة أنقرة في إلقاء خطبة الجمعة باللغة الإنجليزية قبل خمس سنوات، عندما لاحظ كثرة عدد المصلين من غير الأتراك الذين لا يجيدون اللغة التركية.

وقال  كوتش لموقع "المونيتور الأمريكي: "إن شخصا من كل خمسة أشخاص يحضرون صلاة الجمعة في المسجد الذي يتسع لألف مصل هم من غير الأتراك. لم أكن أعرف أن لدى الناس اهتماما بسماع الخطبة باللغة الإنجليزية، لكنني وجدت أن هناك ضرورة لأن 20٪ من المسلمين الذين يرتادون المسجد لا يعرفون اللغة التركية".

وقال الليبي أيمن الريبي الذي بدأ يرتاد المسجد في السنوات الأربع الأخيرة، إن إلقاء الخطبة باللغة الإنجليزية يمنح الأجانب شعورا بالاندماج، مضيفًا أن ذلك مفيد للغاية إذا كنت لا تتحدث اللغة التركية ويجعلك تشعر أنك جزء من المجتمع".

أما صديقه الجزائري فتحي الجزائري، فيقول إن "إلقاء الخطبة باللغة الإنجليزية من بين الأسباب التي تدفعنا للمجيء إلى هذا المسجد. أعيش في تركيا منذ عام 2014 والقدوم إلى هذا المسجد يعني أنه يمكننا على الأقل أن نفهم جزءا من الخطبة. لسوء الحظ لم أتعلم اللغة التركية، لذا فإن إلقاء الخطبة بالإنجليزية يساعدنا على الفهم".

ركزت خطبة يوم الجمعة الماضي التي استمرت 12 دقيقة على الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسلطت الضوء على أحدث التقارير التي أظهرت أن أغنياء العالم البالغ عددهم 26 ملياردير يملكون ثروة تساوي ما يملكه النصف الأفقر من البشرية.

ويقول فتحي الجزائري: "من المهم جدا سماع هذه الرسائل. إنها تتحدث عن العدالة للفقراء وللإنسانية. إنها رسالة إلى كل من عهد إليهم بهذه الثروة".

وكان الدور الذي تضطلع به اللغة في الدين مسألة مثار جدل في تركيا، وخاصة بين عامي 1932 و1950، عندما  تقرر رفع الأذان باللغة التركية بدلا من اللغة العربية، على الرغم من المعارضة واسعة النطاق. واستمر ذلك حتى عام 1950 عندما وصل الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس  إلى السلطة في أول انتخابات حرة. وكان الوعد بالعودة إلى رفع الأذان باللغة العربية جزءاً من حملته الانتخابية، فأصدر قانونا برفع الحظر عن الأذان باللغة العربية.

وما تزال قضية اللغة التي يرفع بها الأذان حية حتى اليوم، ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، طُرد عضو البرلمان أوزتورك يلماز من حزب الشعب الجمهوري بعد أن دعا إلى إعادة تأدية الأذان مرة أخرى باللغة التركية.

وإلى جانب ما يقوم به البروفيسور كوتش من إلقاء الخطبة بالإنجليزية، تلقى خطبة الجمعة في شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية باللغة الكردية، منذ أواخر العقد الأول من القرن الحالي. ففي عام 2009 أقرت الحكومة رسمياً إلقاء الخطبة باللغة الكردية، وكان مسجد أولو في ولاية ديار بكر أول مسجد يمنح تصريحا من مديرية الشؤون الدينية لإلقاء الخطبة بالكردية.

ويقول كوتش إنه اتجه إلى إلقاء الخطبة بالإنجليزية بتحفيز من والده الذي حثه على استخدام المعرفة التي اكتسبها من عمله في المجال الأكاديمي لصالح المجتمع.

وأضاف: "زارني والدي قبل وفاته عدة مرات في مكتبي، وقال لي إنني لم أفعل شيئا للمسلمين العاديين في بلدنا. بعد ذلك زرت مفتي تشانكايا وشرحت له القضية. أخبرني أنهم كانوا يبحثون عن شخص يلقي الخطبة باللغتين الإنجليزية والعربية، واقترح أن أكتب الخطبة التي ألقيها. بدأنا بكلتا اللغتين لكننا أسقطنا اللغة العربية فيما بعد."

ويشير كوتش إلى أنه تعرض لبعض الانتقادات بسبب إلقاء الخطبة بالإنجليزية من أشخاص لديهم ميول قومية. ولكن عمله لقي استحسانا جيدا، ونجح في استرضاء كثيرين ممن ارتابوا في إلقاء الخطبة بلغات أجنبية.

ويحكي كوتش قائلا: "بعد ثلاثة أسابيع من بدئي إلقاء الخطبة بالإنجليزية، جاءني رجل عجوز وقال لي أيها الإمام الشاب، أنت تتحدث بأسلوب رائع للغاية، لكن هذا مناف لسُنة نبينا".

ويضيف الإمام التركي: "لقد كان لطيفًا للغاية ولم أرغب في إغضابه أو إصابته بالحزن. ظننت أنه اعتاد على تركيا في الخمسين سنة الماضية وقلت له: يا جدي هل تظن أن النبي محمد كان يلقي الخطبة باللغة التركية؟ فقال لي أنت محق. لم أفكر في ذلك."

ولأن المصلين الذين يرتادون المسجد يتكونون من خليط من الأتراك ومن دول مثل باكستان وماليزيا وإندونيسيا، يريد كوتش أن يضطلع المسجد بدور في تعزيز التفاهم بين الثقافات وتحدي التفسيرات الحديثة للإسلام.

وقال: "انتقدت العالم الإسلامي في كثير من الأحيان بشأن التعليم. وفي الأسبوع الماضي على سبيل المثال، انتقدت الافتقار إلى الترفيه على النمط الإسلامي. لقد أباح النبي محمد الغناء، لكننا نحرمه الأن".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!