د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

في تزامن غريب توزعت صورتان متناقضان بشكل كبير، غير أنهما اختصرتا الكثير من المواقف وكشفتا بشكل موجز وإن كان معبرًا وقاطعًا عن طبيعة ما يجري حولنا وما يدبر لنا. إعلامي يخرج بصورة مقززة ليقبل حذاءً/نعالًا مفترضًا لحاكم بلاده ويضع الحذاء على رأسه في شكل مخز ومهين من العبودية الطوعية والتي تناقض مفاهيم أساسية إسلامية وإنسانية تكرم الإنسان وتسمو بحريته وكرامته. هذا الإعلامي ينتمي لدولة تخصصت في الكيد للأمة والتآمر الوقح والصفيق على تطلعات شعوبها للحرية والكرامة وبناء مستقبل زاهر من خلال مشاركة شعبية في صناعة القرار والتدوال السلمي على السلطة وعلى خلفية المحاسبة والشفافية. هذه الدولة تنفق المليارات على إشعال الحرائق والفتن في العالمين العربي والإسلامي وعلى إعلام مسموم ومحموم يستهدف ثوابت الأمة وتسويق ثقافة الإنكسار والإنهيار والسخرية من أصحاب القيم والمبادئ الصامدين والمقاومين للاحتلال والفساد وطغيان الطواغيت.

في الصورة الثانية عمر أبو ليلى فتى فلسطيني يافع وغير مدرب يخرج من بيته ليهاجم بسكينة فاكهة جندي الاحتلال الحرفي والمدجج بإمكانيات وسلاح متطور، فينزع منه سلاحه ويرديه قتيلا. ويواصل الشاب اليافع عمليته فيقود سيارة بهدوء عجيب ويشتبك مع جنود ومستوطنين ثم يترجل بطمأنينة وثبات، ليصفه المستوطنون بأنه رامبو الفلسطيني. وبعد مطاردة محمومة تنجح قوات الاحتلال بقتل الشاب من خلال أجهزة أمن سلطة أوسلو والتي تنتمي بفكرها وسلوكها وتصرفاتها إلى حزب النعال المشار إليه أعلاه.

تقبيل النعال ووضعه على رأس ممن ارتضى أن يرتد إلى أسفل سافلين، ودولة يهاجم إعلامها تركيا والإسلاميين المعتدلين والمنتخبين ديمقراطيا كما مرسي، فيما يتهافتون على التطبيع مع الاحتلال والتسابق في خدمته وتسويق مشاريعه في الهيمنة على المنطقة. السلوك المهين بتقديري تم بتوجيه من أجهزة الدولة الأمنية والتي تسيطر على كل مناح الحياة ومساراتها، وهي تأتي في سياق سلوكيات الفرعنة والتي يقوم بها حكامهم على شعوبهم فيما يقفون أمام ترامب ونيتنياهو كما يقف إعلامي النعال في حضرتهم.

لم تكن عملية أبو ليلي صفعة في وجه الاحتلال وأسطورته العسكرية الزائفة التي هزها شاب يافع غير مدرب ولا مؤدلج، بل كانت صفعة أيضا بوجه أنظمة عربية تسوق للسلام المهين مع المحتل ولثقافة الانكسار والمهانة بين شعوب المنطقة. عملية أبو ليلى تقول لوزراء خارجية عرب أجتمعوا بنتياهو في ميونيخ –وهو يضع قدم على قدم بشكل تقصد إهانتهم- ولغيرهم أن الكيان الصهيوني هش أكثر مما تتخيلون، وإن فتيان فلسطين العزل والذي ولدوا في كنف هذا الاحتلال قادرون على هزه، فكيف بجيوش عربية مسلحة بصفقات كلفت الآمة تريلونات الدولارات لو توافرت الرجولة في زعماء عرب مع شيء من الكرامة والإرادة والاستقلال.

جاءت كلمات والدة عمر البسيطة والبريئة بعد استشهاده والتي انتشرت بين الناس انتشارا واسعا، لتهز ضمائرهم وتحي فيهم معان نبيلة وكبيرة يحاول إعلام دول النعال ليل نهار قتلها وردمها والاستهزاء بها. تأثير كلمات أم عمر أقوى بكثير من كلمات ومواقف مئات المثقفين والمفكرين والإعلاميين من الجانبين، وهي ومن حيث لم تقصد هزت إمبراطوريات دول النعال الإعلامية وأظهرت أن قدر الأمة هو النصر والعزة والتمكين ولو بعد حين، وأن الله يخرج الحي من الميت ويخرج من رحم الاحتلال بطولات ومواقف تعود بنا إلى صفحات أمجاد الإسلام الأولى.

ومع توالي المؤامرات والكيد لدين الله والهجوم على البخارى وثوابت الأمة ومع التسويق لما يعرف بصفقة القرن والتهافت المذل والمهين للتطبيع مع الاحتلال والتطبيل لذلك، ومع الحصار القاتل والمميت لغزة والكيد لها. تأتي عملية سلفيت من حيث لا يحتسب أحد لتعيد قلب الطاولة ولتلهم الشباب العربي والمسلم، ولتكشف أن التطبيع مع الصهاينة سيكون مكلفًا جدًا للصهاينة ولأنظمة النعال الوظيفية، ففي الشعوب العربية والإسلامية الكثر من أمثال أبوليلى.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس