محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

من البديهي أن نسمي العلاقات التركية السعودية بالفصول الأربعة نظرًا للتباين الواضح في مستوى العلاقات الدبلوماسية والحميمية بينهما، فنلاحظ حلول فصل الصيف في العلاقات والخريف والشتاء والربيع على التوالي، وكل فصل يأخذ دوره بدقة وبكل أريحية ويتعداها إلى فصل آخر قد يكون مفاجئا في إقباله وربما مغادرته. وباختصار شديد فإن العلاقات التركية السعودية تشبه إلى حد كبير تلفوننا الأرضي السابق جراء عطب مستديم في البدالة المركزية أو السنترال، ففي الفصول التي كنا فيها بحاجة إلى استعمال الهاتف بكثرة وخصوصًا في فصلي الربيع والخريف كانت الزوابع وربما العواصف الترابية هي المعضلة الطبيعية لإسكات ذلك الرنين التلفوني لعدة أسابيع رغم الجهود المخلصة في حل تلك الأزمة المستدامة.

بالتأكيد إن الدولتين تتمتعان بمميزات تخصهما بل وتجعل من تقاربهما أداة رائعة ووسيلة تنهض بباقي المجتمعات والدول نحو التقدم والازدهار والاستقرار والطمأنينة.

من المعروف أن السعودية ورغم دخولها نزاعًا مباشرًا في اليمن، ورغم وجود الكثير من المشاكل التي تهدد كيانها من قبل بعض الأطراف الإقليمية وكذلك المنظمات اللاشرعية التي تحاول العبث بأمنها وكيانها، فإن تلك العراقيل والحروب التي تخوضها على أطراف حدودها لم تكن إلا بديلًا عن الأمة العربية على وجه الخصوص مما جعلها تعيش في واقع الدولة المركزية والمحورية في المنطقة بشكل عام وبين الدول العربية بشكل خاص رغم وجود تياراتٍ مختلفةٍ تناهض فكر القيادة السعودية، وعلى العموم فإن تلك الاختلافات والتباينات لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على مركزية الدولة السعودية وقيادتها للدول العربية إطلاقًا، بل تكون الوجهة الأولى لكل الدول التي تعاني من التدخلات الخارجية سواء الإقليمية أو الدولية.

وفي الوقت نفسه فإن مكانة الدولة التركية التي تحولت إلى مرآة عاكسة لمفاهيم وتطلعات الدول الإسلامية بكل المعايير جراء تبنيها القضايا المصيرية للمسلمين وعدم الإفراط بها جراء بعض المنافع الآنية المصلحية منذ تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا بعد عام 2002 ولحد الآن.

ومن المؤكد أيضًا أن الدولتين تدركان أهمية تكاتفهما وقوة علاقاتهما مثلما يعيان تماما خصوصية كل دولة سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا وجغرافيًا، وتدركان أيضا أن وضع أي لبنةٍ بجدار بناء العلاقات بينهما سينعكس بصورة فورية على استقرار المنطقة بصورةٍ عامة، وفي الوقت نفسه إن أية لبنةٍ سترفع من ذلك البناء ستثير دواماتٍ وعواصف في المحيطين العربي والإسلامي.

ومنذ تسلم الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية ارتأت القيادة التركية إعادة بناء الثقة بين البلدين من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية وما تلاها من زيارات متكررة مفعلة بنيات حقيقية في تطوير العلاقات وإيصالها إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي كخطة مرسومة لبلوغ اعلى درجات العلاقات الأخوية بين البلدين.

ولا يغيب عن بالنا أن الدولتين كانتا تستغلان الفرص مهما كانت بسيطة ومؤقتة وآنية في إظهار حقيقة مواقفهما وسعيهما الدؤوب لترتيب البيت الإسلامي من جديد.

لم يغب عن أنظار المراقبين والمجتمع الدولي أن العلاقات الثنائية ورغم مقوماتها العقائدية الدينية والتاريخية والجغرافية أضفت طابعًا برغماتيًا خالصًا طيلة الفترة الماضية مما خلق أجواءً مساعدةً للاستمرار الطموح والمتتابع والمتتالي لتطويرها.

وبالرغم من تلك المقومات التي كانت تدعم أطر العلاقات بين البلدين وتثبتها وتحصنها ضد الكثير من المؤامرات التي كانت ولا زالت تمنع تطويرها بسبب العراقيل عبر الأنشطة الإعلامية المضادة تارة والتفسير الخاطئ لمفهوم العلاقات الثنائية والمصلحة المتبادلة تارة أخرى.

منذ دخول الصحفي والباحث الخاشقجي لمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول بتاريخ 2 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2018 دخلت أزمة العلاقات بين البلدين منحنىً تاريخيًا مؤلمًا وغير طبيعي وتواردت أنباء حول وجود نوايا غير جيدة، سائدة في الفترة التي تلت تلك الحادثة وذلك للسبب الآتي:

في حصار قطر أرادت السعودية أن تكون تركيا بموقف الحيادي من تلك القضية بسبب وجود علاقات متماثلةٍ ومتكافئةٍ لكل من السعودية وقطر مع تركيا في رغبة من الأولى بإذعان القطريين لتنفيذ كل طلباتها على وجه السرعة، ورغم أن الموقف التركي حقيقةً لم يفسر بنظر أكثر المراقبين بأنه كان ضد تطلعات السعوديين - بل كان لملء فراغٍ سياسيٍ وعسكريٍ في الخليج يمنع تدخلاتٍ دوليةٍ تسبب ظهور النسخة الثانية من الاستعمار في منطقة الخليج تتابع عملية الابتزاز المستديم.

هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التساؤل التركي حول مقتل الصحفي يتجاوز حتمًا الجهة التي أمرت بتنفيذ عملية الاستدراج أو القتل، لأن الأتراك يشعرون أن الجهة التي خططت لتنفيذ عملية القتل داخل تركيا كانت تسعى من وراء ذلك إلى هدم العلاقات الثنائية وإنهاء أواصر الأخوة والثقة المتبادلة، فمن المعلوم أن الجهة التي خططت لعملية الاغتيال أرادت اصطياد عصفورين بحجر، بعكس الجهة التي أعطت أوامر التنفيذ والتي ربما كانت غير مدركةٍ تمامًا لتأثير ذلك على العلاقات الثنائية مع عدم إدراك حساسية الأتراك وطريقة تفكيرالفرسان التي يتمتعون بها.

ولأننا كنا نشرنا عدة مقالات حول العلاقات الثنائية بين البلدين بصورة تفصيلية وأطر تطويرها ومقوماتها والمساعي الحميدة والمخلصة والتي بذلت سابقًا في تطويرها لذا نرى أنه لا داعي لذكرها من جديد ومع تلك المقالات نكون قد أنجزنا كتاباتنا عن الفصول الأربعة في العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.

الفصل الخامس والأخير في العلاقات الثنائية بين الدولتين يتعدى بالتأكيد كل العلاقات الثنائية نحو الاصطفافات الدولية من جديد وخصوصًا بعد أزمة إيران وانعقاد القمم الثلاثة في مكة برئاسة السعودية.

من المؤكد أن أمريكا تعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقةً دائمة العطاء باعتبارها قلب العالم النابض وفي الوقت نفسه هي من المناطق المشهورة برمالها المتحركة الدائمة والتي تنتهي فيها كل أشكال الاستقرار على مدى مدار السنة، وخصوصًا مع وجود تقاطعات مصالح بين مختلف دول العالم في سبيل تأمين احتياجاتها من الوقود لتحريك عجلة صناعاتها، مع وجود أرضيةٍ خصبةٍ للنزاعات الإقليمية جراء وجود أطماع بسط نفوذ بعض الدول لجيرانها تحت ذريعة نصرة المذهب، ولذا فإننا دائموا الترقب للأحداث التي تتلاحق في هذه المنطقة.

الخلافات الإيرانية الأمريكية والإيرانية العربية التركية غير متشابهةٍ إطلاقًا ولا توجد أية مقوماتٍ مشتركةٍ بينها إطلاقًا، ولذا فإن من المؤكد أن الكثير من الخلافات مع إيران لا زالت ضمن نطاق الخلافات بين الجيران في حال عدم وجود دواعي مذهبية تؤجج تلك الخلافات.

ما يهم الأمريكان هو الحصول على غذائهم وعشائهم بصورة سلسلة وضمان كافة "حقوقهم الاعتبارية" في السيطرة على مقدرات تلك المنطقة، أما ما عدا ذلك فليس لمصلحة أمريكا إثارته، وما يشاع عن المفاعلات النووية الإيرانية وخطورتها على أمن الولايات المتحدة وحلفائها فهي مجرد حجة وخرقة بالية لأنهم يدركون أن الإيرانيين لا يهاجمون المصالح الأمريكية إطلاقًا.

الخلافات العربية مع إيران والتركية مع إيران من المرجح أن تكون متشابهةً لحد كبير، لأن العرب والأتراك يبغون على الدوام استقرار المنطقة أمنيًا وسياسيًا، وهذا ديدن المتطلعين لبناء أواصر الجيرة الحسنة واحترام سيادة الدول ومنع التدخلات في شؤون الدول الأخرى من قبل الجيران أولًا.

ورغم أن معظم الخلافات الآنية التي لا تتجاوز المبادئ وسيادة الدول  بين الدول تنمحي بصورة كاملة أو جزئية بالتقادم، فإن من المؤكد أن لكل معضلة مهما كانت معقدة، لها الكثير من الحلول لأن المصلحة تتطلب إيجاد أفضل الحلول وبأسرع وقت دعمًا لما بدأته الدولتان من جهد لبناء علاقاتٍ جيدةٍ ومتميزة.

السؤال هو هل يستطيع الأتراك والسعوديون تجاوز خلافاتهما؟ وهل هناك رؤية حقيقية حول ما تتعرض له الدولتان من مؤامرة حقيقية خارجية.

لأنها مؤامرة على كل البلدان الإسلامية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس