ترك برس

تناول تقرير بصحيفة يني شفق التركية للكاتب والمفكر سلجوق تورك يلماز، جذور المشروع الصهيوني من منظورٍ تاريخي–استعماري، مركزًا على الدور البريطاني بوصفه الفاعل الأساسي في تأسيس دولة إسرائيل.

يوضح الكاتب في تقريره كيف مهّد وعد بلفور ونظام الانتداب لخلق بنية استعمارية استيطانية في فلسطين، حيث صُممت المؤسسات والقوانين لخدمة انتقال السلطة إلى الحركة الصهيونية لا إلى السكان الأصليين.

كما يكشف كيف استخدمت بريطانيا خطابًا دينيًا لتغطية مشروع جيوسياسي يهدف إلى إعادة تشكيل شرق المتوسط، ويحلّل آليات “استعمار العقول” التي سعت إلى إخفاء اليد البريطانية خلف أسطورة القوة اليهودية أو اللاهوت التوراتي.

وفيما يلي نص التقرير:

لو أردت اللجوء إلى التلاعب بالألفاظ، لقلت إن إله اليهود الصهاينة هو البريطانيون. بل وقد أذهب إلى أبعد من ذلك لأدرج عائلة روتشيلد في مفهوم الألوهية. وبهذا، يمكن التأكيد على أن الصهيونية إيديولوجية غير دينية. وحتى لو لم نستخدم هذه التعابير، يمكننا القول إن إسرائيل هي من صنع بريطانيا، وهي واحدة من أعقد المشكلات التي سجلها التاريخ. فإسرائيل ليست من صنع اليهود الصهاينة، بل هي من صنع البريطانيين، حتى بعد مجيئهم إلى الأراضي الموعودة التي وعدتهم بها بريطانيا. وأود أن أؤكد مجددا أن استمرار وجود اللاهوت اليهودي كنموذج تفسيري لا يزال يفضي فعليًا إلى استعمار العقول. فالاستعمار العقلي، في جوهره، يعني التشكيل والإعداد الذهني، لا الاستغلال المادي. وعندما يقرر آخرون كيفية تفكيرنا، يكون استعمار التاريخ قد اكتمل. فالأحداث لم تختفِ في أعماق التاريخ، وإعلان بلفور يُعد حقيقة تاريخية لا علاقة لها بالكتب المقدسة. فبواسطته وعدت بريطانيا اليهود بموطن، والمهم هنا ليس موقع الأراضي الموعودة بقدر التركيز على الجهة المانحة لهذا الوعد.

إن لحظة إصدار الإعلان بالغة الأهمية. ولكي نتصور الحدث بكل عناصره، يجب علينا حتماً أن نركز على الحرب العالمية الأولى. لقد تحركت الدولة العثمانية في هذه الحرب بإيديولوجية مناهضة للاستعمار. وكان أساس فكرة "الاتحاد الإسلامي" هو معاداة بريطانيا وفرنسا، اللتين كانتا تسعيان لاستعمار أراضينا، ولهذا حركوا العديد من العناصر، بما في ذلك اليهود. وهذا بالضبط ما يُطلق عليه اللعبة البريطانية. لقد حددت بريطانيا بوعد بلفور هدف الإيديولوجية الصهيونية. وأعلنت الأراضي الفلسطينية موطنًا لليهود لإقناع اليهود في مختلف دول أوروبا بالتحرك نحو فلسطين. إن توجيه اليهود المقيمين في مختلف الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى فلسطين كان حدثًا بالغ الأهمية. وبمجرد تحديد الأراضي المستهدفة، اتخذت الصهيونية شكلاً أكثر إقناعاً كإيديولوجية رومانسية. وأنشأت بريطانيا إدارة استعمارية في فلسطين. فحكم الانتداب كان نسخة مطوَّرة من النظام الاستعماري للقرن العشرين. إن “الاستعمار الجديد” لم يكن سوى إدارة الانتداب التي أنشأتها بريطانيا في فلسطين.

هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا للتركيز على إدارة الانتداب والنظام الاستعماري الجديد. فالتعريف الصحيح للأحداث بالغ الأهمية حتى تجد الأحداث صداها في أذهاننا. وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تجعلنا نؤكد على عبثية مفهوم "مستعمرة" عند الحديث عن إسرائيل. فكيف يمكن أن تكون إسرائيل مستعمرة بريطانية؟ إن قبول هذا المصطلح يجعل حقيقة إسرائيل غامضة، ويقودنا إلى الحديث عن القوة اليهودية، ورأس المال اليهودي، والتاريخ اليهودي، واللاهوت اليهودي، مما يطمس بدوره العامل البريطاني.

ولكن كما أوضحنا منذ البداية، أرادت بريطانيا إنشاء مستعمرة جديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقد أتاح لها نظام الانتداب هذه الإمكانية. كان النظام الجديد المُنشأ يقتضي أن تُنقل السلطات يومًا ما. ومقولة إنهم لا يعرفون كيف يحكمون، وعليهم أن يُحكموا" لا يمكن تطبيقها على فلسطين. صحيح أن هذا حكم استشراقي، لكن فلسطين صُممت منذ البداية كبنية استعمارية استيطانية. وبذلك، صُممت مؤسسات هذا النظام الجديد في فلسطين ليتم تسليمها إلى اليهود الصهاينة، وليس إلى السكان الأصليين الفلسطينيين. ولهذا عينت بريطانيا الصهيوني المتشدد هربرت لويس صموئيل كأول مندوب سامٍ، وهو ما يعادل في جوهره منصب "حاكم مستعمرة".

لقد عملت بريطانيا على بناء هذه المستعمرة الجديدة عن علم وإرادة، وكانت تتوقع نتائجها. فهي التي صممت الإبادة. وفي الفترة الممتدة من عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1948، عمل الانتداب البريطاني على فتح فلسطين أمام المستوطنات اليهودية. ولعب اليهود الأمريكيون دوراً كبيراً في تنظيم هذه العملية الاستعمارية الاستيطانية الجديدة، حيث كانت الموارد المالية بأيديهم إلى حد كبير. وبينما كانت بريطانيا تقمع جميع محاولات الفلسطينيين للثورة بالعنف الاستعماري،كانت تُتيح للمجموعات الإرهابية اليهودية التحرك بحرية. في ظل الإدارة البريطانية، كان القوميون اليهود مستعدين للاستيلاء على المؤسسات الاستعمارية. لا يمكن فهم عملية تأسيس الدولة اليهودية إلا ضمن هذا الإطار.

أما الاتهامات القائلة إن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، فهي تعكس روحًا قاسية وتشير إلى عقلية مستعمَرة، فهذه الفئات لم تشأ، سواء في الماضي أو الحاضر، أن تتذكر دور بريطانيا في الجرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير، والمجاعة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!