د. علي حسين باكير - القبس الللإلكتروني

«لن أقول إن تركيا ستشتري منظومة (إس 400) لأننا اشتريناها بالفعل وأتممنا هذا الأمر». بهذه العبارات رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل غير مباشر على رسالة وزير الدفاع الأميركي بالإنابة باتريك شاناهان، التي أمهل فيها أنقرة حتى نهاية الشهر المقبل للتخلّي عن صفقة شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية أو مواجهة تداعيات قد تشمل إخراجها من برنامج انتاج مقاتلات (اف – ٣٥) المتعددة المهام وبشكل نهائي وحرمانها من الحصول عليها.

وتشارك حوالي 8 شركات تركية في مجال الصناعات الدفاعية في تصنيع قطع رئيسية في المقاتلة (اف – ٣٥) يبلغ عددها حوالي ٩٣٧ قطعة دقيقة من بينها حوالي ٤٠٠ ستُستخدم في كل المقاتلات التي ستُشترى من قبل حلفاء اميركا. ويوجد حالياً في الولايات المتحدة حوالي ٤٢ طيّارا تركيا للتدرّب على المقاتلة الأحدث في العالم، لكن سيكون عليهم المغادرة قريبا.

عملياً أطلقت الرسالة الأميركية العد العكسي لإخراج تركيا من برنامج إنتاج هذه المقاتلة، إذ أعلنت أنها ستوقف عملية تدريب الطيّارين الأتراك الجدد عليها نهاية يوليو المقبل. واستناداً الى معلومات رسمية فقد مُنع رجال الاعمال الأتراك من حضور اجتماع الرؤساء التنفيذيين الذي عقد في ١٢ يونيو، كما أوقفت واشنطن تصدير القطع اللازمة لتشغيل وصيانة مقاتلات (اف – ٣٥) مستقبلا في تركيا.

وتخشى اميركا من أن يؤدي امتلاك أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي الروسي المتطوّر الى تعريض مقاتلات (اف – ٣٥) للخطر من خلال جمع النظام الروسي للمزيد من المعلومات التقنيّة عن المقاتلة بالشكل الذي يخوّل الروس الاستفادة منها لاحقاً لتحسين قدرات نظامهم الدفاعي على إسقاطها.

ويشكك كثيرون في صحة الإدّعاء الأميركي، ويشير بعض هؤلاء الى أنّه لا يعدو كونه ذريعة للضغط على انقرة ودفعها للتخلي عن الصفقة مع روسيا، بدليل أنّ المخاوف المتعلقة بمقاتلات (اف – ٣٥) طفت الى السطح العام الماضي فقط، وذلك بعد أن فُنِّدت كل الذرائع الأخرى المتعلقة بمدى إمكانية دمج منظومة «إس -٤٠٠» بالشبكة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو عدم مشروعية قيام عضو في هذا الحلف بشراء أنظمة روسية أو غيرها من الذرائع.

ويرجع المسؤولون الأتراك الأزمة الحالية مع واشنطن الى امتناع الولايات المتّحدة عن تزويد تركيا بالنظام الدفاعي الصاروخي المطلوب، فالعرض الأخير المتعلق بنظام «باتريوت» جاء متأخراً جداً ولم يلبّ المواصفات التركية لناحية التكلفة ونقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك. ووفقاً لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، فإنّ اللغة المستخدمة في الرسالة الأميركية الأخيرة غير مناسبة ولا تليق بروح التحالف بين البلدين. أكار أكّد أنّه يتم إعداد ردّ مناسب على الرسالة الأميركية وانّه سيجري اتصالاً مع نظيره الأميركي بشأنها سريعاً.

ولا يوجد في ميثاق حلف الناتو ما يمنع أعضاءه من شراء أسلحة من روسيا أو ما يشير الى إمكانية إنهاء عضوية إحدى الدول بسبب ذلك، لكن المسؤولين الأميركيين يصرّون عملياً على أنّ الجمع بين أسلحة أميركية وروسية أمر غير مسموح لدول التحالف، وهو ما يتناقض مع حقيقة أن دولة عضو مثل اليونان تمتلك منظومة «اس-٣٠٠» الروسية منذ زمن.

ويخشى محللون من أن يكون هناك من يسعى من داخل واشنطن الى دفع أنقرة أكثر فأكثر باتجاه موسكو وذلك تمهيداً لفرض عقوبات عليها وصولا الى إخراجها من الناتو.

ويدخل الخلاف حول منظومة «اس 400» الآن مرحلة خطيرةً قد تشكّل نقطة تحوّل في العلاقات التركية – الأميركية. ويعوّل البعض على اللقاء المزمع عقده نهاية الشهر الحالي بين الرئيسين أردوغان وترامب لإيجاد حل للازمة قبل انقضاء المهلة المتاحة، لا بل انّ هناك من يذهب أبعد من ذلك في البحث عن صفقة كبيرة تنهي الخلافات القائمة بين الطرفين حول كل المواضيع. لكنّ المؤشرات المتاحة حتى الآن لا توحي بإمكانية حصول انفراج قريب ما لم يتراجع أحد الطرفين عن موقفه في هذا الملف بالتحديد أولاً.

المفارقة في هذا المجال أنّه في الوقت الذي سيخرج فيه أحد الطرفين التركي والأميركي خاسراً من هذه المعركة، هناك رابح حقيقي واحد فقط مما يجري بين الحليفين في الناتو وهو الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا!

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس