إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأول زيارة رسمية له إلى المملكة العربية السعودية في 2 آذار/ مارس الجاري منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز منصبه بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز. وتأتي الزيارة في وقت يشهد أزمة إقليمية وتحديات دولية في العالم الإسلامي.

تقف تركيا والمملكة العربية السعودية للاستفادة من علاقات ثنائية أقوى؛ ولا بد أن يكون لتعاونهما الاستراتيجي انعكاسات مهمة على القضايا الإقليمية المُلِحّة من أجل تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وقد جرت زيارات رسمية بين البلدين شهدت زيارة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى تركيا، وزيارة الرئيس التركي ورئيس الوزراء إلى المملكة عدة مرات.

الملك سلمان زار تركيا في عام 2013 عندما كان ولياً للعهد. ويعدّ الوضع الحالي للعلاقات بين الدولتين في مستوىً جدير بالثناء لكنه لا يزال بعيداً عن الإمكانيات الحقيقية لهذه العلاقات.وتعدّ التجارة الثنائية بقيمة 7 مليار دولار مؤشراً على علاقات اقتصادية قوية لكنّ هناك مجالاً أكبر لمزيد من التجارة والاستثمار. كما أنّ العلاقات السياسية والدبلوماسية وحتى السياحية بين الدولتين في توسّع مستمر وسريع.

تتطلب الاحتياجات الاستراتيجية وأولويات هذين القوتين الإقليميتين تعاوناً أقرب وأكثر شمولاً حول القضايا الإقليمية والدولية التي تواجه العلام الإسلامي. وقد شكّلت الثورات والثورات المضادة للربيع العربي فرصاً جديدةً وتحدّيات للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأدّت مُطالبات الشعوب العربية بتحقيق العدالة والمساواة والكرامة والرفاهية إلى إسقاط زعماء دكتاتوريين قُدماء مثل مبارك والقذافي، كما أخذت منحىً عنيفاً في سوريا وليبيا.

ومع استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، دخلت اليمن في حالة من الاضطراب وأصبحت تمثّل صراعاً كبيراً في منطقة الخليج. وخلق الانقلاب في مصر انقسامات عميقة وتوترات في البلاد. ويُعد احتواء التوترات السياسية، وإصلاح الصّدوع الاجتماعية وفتح الفضاء السياسي للجميع شرطاً لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار والسلام.

دخلت الحرب الأهلية في سوريا عامها الرابع، وحصدت من الأرواح أكثر من 300 ألف. وتحول ملايين السوريين إلى لاجئين ومشرّدين في داخل البلاد. علاوة على ذلك، حولت الحرب في سوريا ذلك البلد إلى أرض ولّادةٍ للتطرف العنيف مع سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" على مساحات واسعة من سوريا والعراق. كما تُعاني الحكومة العراقية الجديدة بسبب ضعف الحكومة المركزية، وتهديد داعش، والمجموعات المسلّحة والاقتصاد الذي يُعاني على الرغم من عوائد النفط.

وتظل القضية الفلسطينية في قلب سياسات الشرق الأوسط. مع تداعي عملية السلام، بتحدّي نتنياهو للعالم العربي والولايات المتحدة الأمريكية في آن واحد. كما أنّ المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي تسهلها المملكة العربية السعودية بدعم من تركيا، ضرورية أكثر من أي وقت مضى.

تشهد اللحظة الراهنة تمدّداً للتوترات الطائفية الممتدة من سوريا إلى لبنان، ومن العراق إلى اليمن، والبحرين وباكستان، مما يسبب انقسامات عميقة في المنطقة. وتعتقد كل من السعودية وتركيا بأنّ السياسات الطائفية والصراع الطائفي أثّرا بشكل كبير على المنطقة وينبغي استبدالهما بسياسة السلام والتعاون في المنطقة.

بثّ الملك سلمان طاقة جديدة في البنية السياسية السعودية. كسياسي مُتمرّس، يعدّ الملك الأمن والسلام الإقليميين أولويةً قُصوى من أجل علاقات سياسية واقتصادية أفضل في المنطقة. كما أنّ فريقه على وعي تامّ بحقيقة أنّ التوترات الإقليمية تؤثر في كل الدول بما في ذلك المملكة العربية السعودية، وهذه نقطة جوهرية تتّفق عندها تركيا مع السعودية بشكل مطلق.

بناءًا على ما تقدّم، اتّفق الرئيس أردوغان والملك سلمان على توسيع العلاقات الثنائية في خمسة مجالات رئيسية. تتضمّن القضايا السياسية، والاقتصادية، والدفاعية والأمنية، وتعاوناً أوسع على مستوى الشعبين والعلاقات الثقافية. وسيساهم تعاونٌ أقرب على المستوى السياسي في تطوير أفق إقليمي مشترك لخفض التوتّرات في المنطقة. كما أنّ من شأن العلاقات الاقتصادية الأقوى أن تفيد اقتصادي المملكة وتركيا باعتبارهما القوتين الاقتصاديتين الأكبر في المنطقة.

إنّ من شأن تعاون أوسع في شؤون الدفاع والأمن أن يوفّر استراتيجية مشتركة وآليات تشتدّ الحاجة إليها في الفترة الراهنة، وذلك للحدّ من التطرف العنيف والإرهاب بكلّ أشكاله. وأخيراً، ستساهم العلاقات على المستوى الشعبي والروابط الثقافية في تعزيز العلاقات الثنائية لكنّها تفتح كذلك خطوطاً جديدةً للاتصال بعيداً عن عناوين الإعلام المثيرة والمضلّلة في الغالب.

تؤكّد زيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية والاستقبال الحار الذي لاقاه من قبل الملك سلمان وحكومته أنّ تركيا والسعودية ملتزمتان بتطوير علاقات ثنائية أقوى وستعملان سويةً من أجل السلام والأمن والرّفاه في المنطقة. تشترك الدولتان في منظورهما تجاه أزمات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسيساهم التعاون التركي السعودي في قطع شوط كبير في مواجهة الأزمات الحالية.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس