محمود عثمان - خاص ترك برس

الخلق في التعبير اللغوي، هو الدين والطبع والسجايا ، ويشير مصطلح الأخلاق إلى القوة الراسخة التي تقود الإنسان إلى الاختيار فيما بين الخير والشر. والأخلاق هي مجموعة من المبادئ والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات وتساعدهم في تحديد الشيء الصحيح والخاطئ. ويعرفها البعض بأنها مجموعة من القواعد الأخلاقية والقيم المبدئية التي تحكم سلوك الفرد والجماعة بشأن الصحيح والخاطئ من التصرفات ، كما أنها تسهم في تحديد المعايير اللازمة لما هو جيد وسيئ من التصرفات والأفعال التي يقوم بها الأفراد.

لا شك أن الرصانة والهدوء والإيمان وتحقيق المنفعة المتبادلة، واعتماد مبادئ المسؤولية الاجتماعية، توجهات أخلاقية تعتمدها كثير من المؤسسات ومنظمات الأعمال. كما أن أخلاقيات القيادة والعاملين والهياكل والأنظمة الأخلاقية التي تتضمنها اللوائح الداخلية للمؤسسات، تساهم إلى حد كبير في تأسيس قيمة الثقة المتبادلة داخليا، وثقة الزبائن وشركاء العمل بالإيفاء بالوعود والالتزامات، وهو ما يمكن اعتباره الأساس النظري للربط بين المنظومة الأخلاقية والمزايا التنافسية.

لكن كيف تصرفت وتتصرف المؤسسات والمنظومات الاقتصادية عندما تتعارض القيم الأخلاقية مع المزايا التنافسية ؟

عقب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 التي شكلت صدمة كبيرة في عالم الأعمال، انهمك الجميع في عالم، من جامعات وأكاديميات وعلماء الاقتصاد ومدراء وقادة كبار من القطاعين العام والخاص، للبحث في تحليل أسباب تلك الأزمة، وتركزت الجهود حول الإجابة على سؤالين أساسيين:

الأول: هل الأزمة المالية العالمية سببها يكمن في النظام الاقتصادي المتبع (السيستم) ؟

الثاني: هل القيادات والكوادر التي كانت تدير العمليات الاقتصادية التجارية ليست على قدر كاف من الكفاءة والخبرة؟

  بعد دراسات وأبحاث دامت سنتين، وقامت بها مؤسسات مختصة عديدة تم التوصل إلى النتيجة التالية:

" النظام (السيستم) المعمول به هو أفضل ما توصل إليه العلم، وتحصلت عليه الخبرة التراكمية في الاقتصاد والأعمال" ..

" والقيادات والكوادر التي تدير العمليات المالية والاقتصادية، هي أفضل الموجود دون منازع، وقد أثبتت كفاءتها وجدارتها بما لا يدع مجالا للشك" ..

أين الخلل إذن ؟!..

توصلت الدراسات إلى أن المدراء كانوا في الغالب، يضعون العمليات الاقتصادية أمام أرباب الأعمال بجميع احتمالاتها وأدق تفاصيلها. لكن الأخيرين كانوا يختارون أكثرها ربحا حتى لو لم يكن أخلاقيا.

وفي بعض الأحيان كان المدراء يحجبون عن أرباب العمل الجوانب السلبية التي تمس العملاء والمستهلكين، من أجل الحصول على العلاوات والعمولات الكبيرة. حيث وصل دخل بعض المدراء في أمريكا في ذلك الوقت إلى أرقام فلكية، تجاوزت عشرات ملايين الدولارات في الشهر الواحد !.

خلاصة الدروس التي استخلصت من الأزمة العالمية عام 2008 أن أسبابها كانت قيمية أخلاقية بامتياز !.

في عصرنا الحاضر، حيث شكلت الشبكة العنكبوتية الدولية حيزاً واسعا عملاقا، غير خاضع لمبدأ أو قانون، شهدت بيئة الأعمال كثيرا من التجاوزات الأخلاقية، التي نتجت عن ضعف الاهتمام بالأسس والمعايير الأخلاقية عند كثير من الشركات والمنظمات الاقتصادية، بسبب الابتعاد عن النظر أو حتى التفكير بالمحددات والرموز الأخلاقية.

كما أن شيوع وانتشار التجارة الإلكترونية، التي تعتمد إلى حدٍ كبير على الإنترنت، صاحبها الكثير من الغش والمخالفات الأخلاقية، حيث لا تماس فيزيائيا بين أطرف العملية التجارية، بسبب صعوبة السيطرة الحكومية على مجرياتها.

غير أن ما حصل من غش وتجاوزات في عالم التجارة الالكترونية ، دفعت المؤسسات الحكومية إلى التفكير بالطرق المناسبة لضمان سلامة هذا النوع من التجارة، وتأمين سيادة الأبعاد والمقومات الأخلاقية. كما دفع المؤسسات الاقتصادية إلى التفكير بضرورة عولمة برامجها الأخلاقية، واعتماد معايير أخلاقية تلتزمها خلال ممارسة أعمالها، سعياً للتكيف وضمان البقاء في بيئة الأعمال، بوساطة مجموعة مزايا تنافسية تعتمد المقومات الأخلاقية، كتسليم الزبائن حاجاتهم التي يستحقونها، وتزويدهم بمنتجات مأمونة، ومعلومات وفيرة، بشكلٍ يتماشى مع مضامين العمل الأخلاقي، وبما يجعل الزبائن مطمئنين ومقتنعين من أن هذه المنظمة قد اتخذت من الأبعاد الأخلاقية معياراً يميزها في ميدان تنافسي شديد، وبشكل يضمن ديمومة تعامل الزبائن معها.

يبدو للوهلة الأولى بأن عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية، يوفر بعض المكاسب على المدى القريب، لكن كما أنه غير مضمون العواقب، فإن عاقبته ومصيره الفشل. أما الالتزام بالمبادئ والأخلاق والقيم التجارية، فهو الطريق الآمن لاستمرار النجاح.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس