زهير سالم - مركز الشرق العربي

ما تزال خصوصية المواقف الدولية والإقليمية من المؤامرة المتمادية على الشعب السوري تتمظهر أكثر وضوحا يوما بعد يوم.

ومما يثير عجب بل استنكار أحرار سورية وثوارها أن الاحتلال الروسي لسورية الذي تم منذ أربع سنوات من قبل دولة عظمى، مع كل ما رافقه من قتل وتدمير وتهجير لم يلق من الاستنكار الدولي والإقليمي، ما لقيته عملية محدودة لقمع الإرهابيين تقوم بها دولة جارة في ظروف غاية في الدقة وفي التعقيد.

وكما لم يجمع العالم على إدانة الاحتلال الإيراني لسورية، لم يدن العمليات الإرهابية للميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات كما يفعل اليوم أمام عملية محدودة لما تبدأ بعد.

يعترف وزير الخارجية الأمريكي بومبيو ويصدق بقوله: نحن لم نعط الضوء الأخضر لتركية لتدخل سورية؛ ولكنكم أعطيتم هذا الضوء بلا شك لروسية ولإيران ولقاسم سليماني ولحسن نصر الله ولكل ميليشيات الإرهاب العالمي لتجعلوا من سورية ساحة حرب تدار بأمركم ولحسابكم وأول هذه الميليشيات كان تنظيم داعش وميليشيا البي واي دي الذي أنتم أعلم بمدخله ومخرجه منا.

كلمة جارحة وجهها إليهم ترامب منذ أيام: لماذا تضجون وقد أعطيناكم أكثر من الأجر الذي اتفقنا عليه معكم!!

كان لا بد من هذه المقدمة لنلفت الأنظار إلى ما وراء الأكمة في اصطناع المواقف المبرمجة والموقوتة من عملية "نبع السلام" التي انطلقت منذ الأمس دون النظر في الحقائق والأبعاد. وفي النتائج والتداعيات..!!

إن ما يجب أن يجمع عليه كل السوريين الأحرار من جمهور الثورة، وحملة رايتها إزاء المعطيات المتداخلة والمعقدة، والادعاءت الكاذبة عن الحل السياسي عبر دستور زائف وبأيد مشلولة أو كتعاء هو.

أولا – أننا مع وحدة الأراضي السورية من القامشلي حتى بحيرة طبرية. لن نتنازل عن ذرة تراب واحدة لا لمحتل صهيوني، ولا لغاز روسي أو صفوي، ولا لأصحاب ادعاءات ما تزال تداعبهم أحلام تقطيع أوصال الوطن بدعاوى كذاب. نتمسك نحن السوريين جميعا مع وحدة الجغرافيا بوحدة الديموغرافيا بكل ألوان طيفها المحبب الجميل.

ثانيا – نجمع نحن السوريين الأحرار على تمسكنا بسيادة الشعب السوري على أرضه، وفي ظل دولته المستقلة الحرة الآمنة، بأمن إنسانها وأرضها وسمائها. ونعتقد أن التذرع بهذه السيادة لمنع مد أي يد تريد أن تساعد شعبنا المكلوم مع الصمت عن احتلال تمارسه سبع دول متعاونة على إذلال شعبنا، وكسر إراداته.. لهو في سياق هذا الواقع من اللغو الباطل، الذي لا يهذي به إلا السفهاء الذين لا يعلمون...

ثالثا – إنه قد حصحص الحق بعد ما يقرب من عقد من عمر هذه الثورة المباركة، وبات من المهم أن نرى جميعا في الدولة التركية – شعبا وحكومة وقيادة - حليفا استراتيجيا مكينا، حليفا تجمعنا به العقيدة والثقافة والحضارة والتاريخ والمصالح الاستراتيجية المتقاطعة على كثير من المشتركات...

وتحالفنا مع الدولة التركية في ظل المعطيات المعقدة والراهنة لم يعد خيارا استراتيجيا نقدم به ونؤخر؛ بل هو حلف الضرورة الاستراتيجي الذي تفرضه الجيوسياسة علينا وعلى الإخوة الأتراك في الوقت نفسه. وهذا الذي يجب أن توضع له الخطط والبرامج المشتركة لتوظيفه والاستثمار منه وتحصيل أكبر المصالح منه ودرء أكثر المفاسد عنه.

ولقد قدمت الدولة التركية والشعب التركي للثورة السورية وللشعب السوري الكثير مما ينبغي أن تشكر وتحمد عليه..

ولا بد إزاء التأكيد على هذا الحلف الاستراتيجي الذي يجمع السوريين بالدولة التركية من كلمتين..

الأولى أن للتحالف السياسي قواعده وأسسه، يعلمها من علم ويجهلها من جهل، وأنه ليس من مقتضيات أي تحالف سياسي أن يكون الحلفاء فيه متطابقين في كل شيء وعلى كل شيء.

والثانية: إن تمسكنا بالتحالف مع أشقائنا وجيراننا الأتراك لا يتم بأي شكل من الأشكل على حساب تحالفاتنا الأخرى مع بقية حلفائنا الآخرين، من الدول الشقيقة والصديقة. ولا يتم على حساب عمقنا العربي بل سنظل نتمسك بإخوتنا وبعروبتنا وسنظل نشكر كل يد امتدت إلينا بمعروف في ليل هذه المحنة الطويل. وسنظل ننأى بأنفسنا عن أي خلافات تخيم على علاقات هؤلاء الحلفاء والأشقاء.

ولنؤكد دائما أننا سنظل متفرغين لرفع رحى الاستبداد عن صدر شعبنا، والاشتراك مع كل المخلصين من أبناء أمتنا في التصدي للمشروعين الأخطر على حاضرنا ومستقبل أجيالنا؛ المشروع الصهيوني والمشروع الصفوي في أبعادهما الخطيرة للهيمنة والسيطرة على أوطاننا وشعوبنا.

وبعد كل هذا فإننا نرى في عملية "نبع السلام"..

خطوة إيجابية وفي الطريق الصحيح، لتقليم مخالب الإرهاب التي استقوت على شعبنا برعاية الأمريكيين والروس وحلفائهم، ونالت من بنية مجتمعنا ما نالت، مما تطفح به تقارير وشهادات منظمات حقوق الإنسان مما ارتكبته منظمة "البي واي دي" ضد جميع مكونات المجتمع السوري في مناطق سيطرتها المختلفة. ولا يستطيع منكر أن ينكر أن إرهاب هذه التنظيمات لم يقل في ممارساته لحظة عن إرهاب منظمات يزعم البعض أنه جاء إلى سورية ليقاومها ويحاربها.

كما أننا نرى في عملية "نبع السلام" قطعا للطريق على جميع مشروعات التقسيم المريبة، وأحلام الغارقين فيه. لتبقى وحدة الأراضي السورية ووحدة المجتمع السوري هي الحقائق الأبقى في يومنا وفي غدنا.

وإننا لنأمل أن تكون عملية "نبع السلام" المدخل الأساسي للمنطقة الآمنة، التي ستمثل الاستراحة العملية لكل الذين هجروا وشردوا... ولتكون هذه العملية في الوقت نفسه العتبة الحقيقة لسورية الآمنة الموحدة والمستقرة. التي هي المطلب الوطني كل السوريين الأحرار.

وإنه لمن الأجمل أن يكون دور الجيش الوطني السوري، وفصائل الثورة السورية هو الأوضح والأبرز في سياق هذا التعاون الاستراتيجي الذي نتطلع إليه تعاونا إنسانيا يفيض بالحب والعدل والإخاء.. متدفقا بالسلام من النبع إلى المستقر. لا يعرف عدوانا ولاحقدا ولا ينشر ضغينة ولا كراهية..

إلا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام.

عن الكاتب

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس