براءة الحمدو - خاص ترك برس

ما إن تمّ الاتصال بين الرئيسين التركي والأمريكي في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حتى انهالت التّهم على كلا الطرفين ووصف القرار الأمريكي "بالسّذاجة" الذي لا يمانع التدخل العسكري التركي شمال شرقي سوريا، ونسوا بأنّ رؤية الإدارة الأمريكية لأهمية الدور التركي على اعتباره "حليف قديم" ولا تريد خسارته مقابل ميليشيات ضعيفة وإرهابيّة.

انطلقت العملية العسكرية (التركية) باسم "نبع السلام"، والتي تعدّ المعركة المصيرية بالنسبة للشعب السوري والأمن التركي خصوصًا، والسبب نفاذ كل البدائل والحلول، وكذلك تمكّن الإرهاب على الأراضي السورية، فقوات "قسد الانفصالية" جزء من الإرهاب الممارس على الشعب السوري، حيث يعلم الجميع أنّ تركيا تجهز لتلك العملية منذ سنوات وتصاعدت الرغبة التركية مع بداية العام الحالي، فأعلنت جاهزيتها العسكرية لدخول مناطق شرق الفرات وتطهيرها من الإرهاب المهدد لأمنها القومي.

واجهت تركيا تحدّيًا كبيرًا على خلفية قرار بدء العملية العسكرية نحو شرق الفرات، لكنها لن تتخلى عن حقّها في إزالة قوات قسد، وعن تحقيق ما وعدت به.. في إنشاء "منطقة آمنة" للتشجيع على الإعادة الطوعية لقرابة مليون لاجئ سوري إلى أراضيهم شرق الفرات، كانت قسد قد هجرتهم منها فيما مضى.

ولم يكن التوافق "الأمريكي والتركي" على عملية "نبع السلام" - الذي لم يظهر كليّاً على الإعلام - ، إلا بعد خلافات دامت لأكثر من عام ونصف بين الجانبين (حول حقّ تركيا في التدخل للحفاظ على أمنها وآلية هذا التدخل)، حيث شاهدنا كيف تمّ تسيير دوريات مشتركة (أمريكية تركية) وتفكيك نقاط عسكرية وأنفاق تابعة لقوات قسد الانفصالية، إلا أنّ تركيا لم تكتف بهذا الأمر الذي ظنته الولايات المتحدة سيخفف من حدّة التّخوف التركي تجاه قوات قسد الإرهابية.

فالنظرة التركية لحجم هذه القوات (قسد) والعتاد المتطوّر الذي حصلت عليه من "أمريكا" كان أكبر من المهمة الموكلة إليها في حربها لتنظيم داعش، إضافةً إلى أنّ القرار السياسي لقسد يُخطط له من جبال قنديل. الأمر الذي جعل تركيا تمارس ضغوطاً "إعلامية وسياسية" طيلة هذه الفترة على الولايات المتحدة (من أجل تثبيت حقّها في الحفاظ على أمنها القومي والمتمثل في ضرب الإرهاب) حتى أعلن الرئيس الأمريكي عن الرغبة في سحب القوات الأمريكية نحو الجنوب (الرقة ودير الزور)، ومما لا شك فيه كان الانسحاب الأمريكي بمثابة فتح الطريق لبدء العملية العسكرية التركية المخطط لها سابقًا.

ومع كلّ الهجوم الإعلامي ضدّ العملية العسكرية "نبع السلام" من قبل الأوروبيين والعرب، وإدانتهم لها والتّحريض على تركيا في جلسة مجلس الأمن إلا أنّ الفيتو المزدوج (الأمريكي والروسي) جاء مفاجئاً لهم وحال دون إصدار التصويت.

والسؤال هنا: أين الضجيج الإعلامي ضدّ الإجرام الأسدي والإيراني والروسي بحقّ السوريين؟!

أخيراً لا يسعنا القول سوى أنّ الإدانات العربية كانت أكثر قبحاً من الغربية، فالعملية العسكرية بالنسبة لتركيا خط أحمر، ومن ناحية أخرى فإنّ مصلحة الشعب السوري هي في تأمين منطقة حاضنة لهم وتحميهم من كل أشكال الإرهاب، والسوريون يرون نجاح عملية "نبع السلام" في الحدّ من التمدد الإيراني، وتفشيل المطامح الإيرانية في عدم بسط سيطرتهم على مناطق شرق الفرات، لأنّ في ذلك تكرار لمآسي الشعب السوري على أيديهم، فعلى الإدارة التركية إنشاء حزام أمني يمنع الإيرانيين من التوغل في تلك المناطق التي حررها الجيش التركي والوطني السوري بعد ما قدموه من أرواح.

عن الكاتب

براءة الحمدو

كاتبة وناشطة سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس