محمود عثمان - خاص ترك برس

صادف حضوري معرض منتدى الأعمال الدولي IBF في مدينة سراييفو، مناسبة مرور 14 عامًا على وفاة أول رئيس للبوسنة والهرسك، أحد أهم الشخصيات في التاريخ الحديث، القائد الحكيم والعالم الكبير علي عزت بيجوفيتش.

وقد أحيا البوسنيون ذكرى وفاة بيجوفيتش، في مراسم أقاموها أمام ضريحه بالعاصمة سراييفو.

وشارك في المراسم نجل بيجوفيتش، عضو المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك، بكر عزت بيغوفيتش، إضافة إلى وفد تركي كبير ضم نواب برلمانيين ورؤساء بلديات.

ولد علي عزت بيجوفيتش عام 1925 وتوفي عام 2003 ، و قاد بيجوفيتش شعب البوسنة خلال الحرب التي بدأت مع إعلان البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغسلافيا عام 1992، وانتهت بتوقيع اتفاقية "دايتون" للسلام مطلع نوفمبر/ تشرين ثان 1995.

بدأ العالم يسمع عن البوسنة والهرسك عام 1992م باعتبارها دولة تبحث عن استقلالها وحريتها، بعد انهيار يوغسلافيا السابقة وانشطارها إلى مجموعة دول. وكان شعب البوشناق المسلم في طليعة القوى المنافحة عن الاستقلال والحرية.

رغم سجنه 13 عاما بسبب دفاعه عن حقوق شعبه المغتصبة، إبان الحكم الشيوعي في عهد الرئيس تيتو، إلا أن علي عزت بيجوفيتش ظل مدافعا عنيدا عن حرية شعبه، فقد كان يردد دائما:" إن البوسنة لا بد أن تنال حريتها يوماً، وستعود كما كانت من قبل عنواناً للإخاء والترابط والتسامح بين الشعوب".

لم يكن علي عزت بيجوفيتش مجرد مناضل يبحث عن الحرية، أو سياسي يؤدي دوره الوطني، بل كان علاوة على ذلك، مفكرا مبدعا يغوص في الأعماق، ومثقفا مسلحا بألوان الثقافة العصرية والعلوم الشرعية. فقد قرأ الكتب الفكرية الإسلامية المعاصرة، وجمع بين أصناف العلوم الغربية والإسلامية.

لم يكن علي عزت بيجوفيتش متفرغا للكتابة، لأن هموم الأمة الإسلامية عامة، وهموم مسلمي البلقان خاصة، والمحن والابتلاءات التي مرّت بها بلاده، والمآسي والكوارث التي نزلت بهم، كانت تشغل الحيّز الكبير من حياته وحركته وتفكيره، فقد كان يكافح على عدة محاور، ولو تفرغ للقراءة والكتابة، لأغنى المكتبة الإسلامية بمؤلفات كثيرة قيمة.

لقد سد علي عزت بيجوفيتش ثغرات كبيرة، في المسيرة السياسية والكفاحية لمسلمي البوسنة والهرسك، ما كان أحدا غيره ليقوى على سدّها، ومع ذلك، ألّف الرجل عدّة كتب، وكتب العديد من الأبحاث، وقدّم الكثير من المحاضرات، في ميادين الفكر والسياسة والدعوة. ومن هذه الكتب التي ألفها:

1- هروبي إلى الحرية. كتبه في السجن، عندما اعتقله الشيوعيون عام 1949 بسبب نشاطه السياسي، ولانتمائه إلى جمعية الشبان المسلمين، وحكموا عليه بالسجن مدة خمس سنوات.

2- عوائق النهضة الإسلامية.

3- الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية.

4- البيان الإسلامي. وهو مجموعة مقالات كان نشرها في مجلة (تاكفين) باسم مستعار. وهذه المجلة كانت تصدرها جمعية العلماء في البوسنة، وكان يقرؤها خمسون ألف مسلم، وقد جمعها ابنه الأستاذ بكر، وأصدرها في كتاب بعنوان (البيان الإسلامي).

5 - الإسلام بين الشرق والغرب. وهذا الكتاب الكبير هو أشبه بموسوعة علمية، هزّ به أركان العالم الغربي، فقد خاطب به قادة الفكر هناك، وكان فيه عالما وفيلسوفا وأديباً وفناناً مسلماً تمثّل كلّ ما أنجزته الحضارة الغربية، ثم ارتقى بتلك العلوم عندما ربطها بهدي السماء الذي جاء به الإسلام. وقد اتسق منهجه التحليلي في الكتاب في تقصي الحقائق، مع هدفه الذي عبّر عنه بقوله : "لكي نفهم العالم فهماً صحيحاً، لا بدّ أن نعرف المصادر الحقيقية للأفكار التي تحكم هذا العالم، وأن نعرف معانيها".

يقول عن أيام سجنه :" لم أكن أستطيع الكلام، ولكني استطعت التفكير، وقررت أن أستثمر هذه الإمكانية حتى النهاية".

في وصيته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل وفاته، يقول بيجوفيتش "هنا أرض الفاتحين، دافعوا عن البوسنة وحافظوا عليها. هذه الأراضي أمانة في أعناقكم".

ها هي أرض البوسنة والهرسك، تزيح كابوس المجازر وآثار الحرب المدمرة، وتنفض عن كاهلها غبارها، لتنهض من جديد، وتبدأ مسيرة البناء والحضارة، لتعود كما كان يحلم رئيسها الراحل علي عزت بيجوفيتش ، "عنواناً للإخاء والترابط والتسامح بين الشعوب".

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس