إمرة غونين - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تخيل بلدًا غنيا باحتياطيات النفط والغاز الطبيعي، لكنه غير قادر على توفير الوقود الرخيص لسكانه. مثل هذه الدولة ملزمة بزيادة سعر النفط في محطات الوقود بنسبة 50٪ دفعة واحدة، وهو ما لم يرق للرأي العام على الإطلاق. وما دامت البلاد دكتاتورية كاملة، ولا توجد إمكانية للسكان لإسقاط الحكومة عبر التصويت، فماذا يفعلون إذن؟ الاحتجاج بالطبع، إذ خرجوا في الشوارع يهتفون للتعبير عن سخطهم، ويظهرون أن الكيل قد طفح، وأنهم لم يعودوا يتحملون هذا الحكم الأحمق لبلدهم الغني الذي تحول إلى بلد فقير بسبب هذا النظام. 

هذا ما يحدث في إيران، لكن ليس لدينا أي معلومات حقيقية ويمكن الاعتماد عليها؛ لأن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة تظهر صورة مختلفة لما يحدث بالفعل هناك. وفقًا للتصريحات الرسمية، فإن ما يحدث "حرب" أشعلتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل و"المنافقون" التابعون لحركة مجاهدي خلق. ووفقًا للجنرال سالار أبنوش، نائب قائد الباسيج المعروفة باسم "متطوعو الثورة"، وهي منظمة عسكرية شبيهة بكتيبة العاصفة في ألمانيا النازية، فإن "ما حدث أكثر من مجرد انتفاضة. تم تجنب حرب عالمية".

بدءًا من 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، شهدت كثير من البلدات والمدن احتجاجات عارمة في الشوارع على زيادة أسعار الغاز. وقد باغتت هذه الاحتجاجات السلطات الحاكمة واستغرق الأمر منها بضعة أيام قبل  قطع الإنترنت ووسائل الاتصال المماثلة. وسرعان ما انهزمت قوات الشرطة أمام حجم الاحتجاجات التي تحولت إلى معارك ضارية. وعندئذ تدخل الحرس الثوري إلى جانب الباسيج مستخدمين السلاح لفض الاحتجاجات. لا يعرف عدد الذين راحوا ضحية في أقل من أسبوع، وتحدثت منظمة العفو الدولية في تقدير أولي عن قرابة 100 حالة وفاة، لكن من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير. وقال بعض العاملين في المستشفى إن ضباط الشرطة وميليشيات الباسيج كانوا من بين القتلى، لكن من الواضح أن مثل هذه المعلومات تحتاج إلى مزيد من التدقيق. 

قُبض على نجو مئتي شخص، واعترفوا بمعجزة بأنهم وقعوا ضحية "تحالف من الشر" الذي شمل معتادي الإجرام. وعلى الرغم من قلة عدد مقاطع الفيديو التي يمكن أن تشق طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أظهرت مقاطع أن الشوارع عجت بالمحتجين الذين رددوا "خامنئي بلا شرف".

لا نعرف حتى الآن ما إذا كان الجيش النظامي الإيراني قد تدخل في الاحتجاجات. ولم يصدر حتى الآن سوى تصريحات عن ممثلي وقادة الحرس الثوري ومنظمة الباسيج. كما أصدر الزعيم الأعلى آية الله خامنئي بيانًا موجزًا حيا  فيه انتصار الثورة على أعدائها. 

هذه هي المرة الثالثة في أقل من 10 سنوات التي يخرج فيها الإيرانيون إلى الشوارع للتعبير عن يأسهم وضجرهم. أعتقد أن من الصعوبة بمكان توقع غضب كل السكان في الأنظمة الشمولية. يجدر بنا أن نتذكر سقوط الشاه رضا بهلوي في عام 1978، في وقت كانت إيران تعتبر فيه القوة الإقليمية الساحقة، بدعم قوي من الولايات المتحدة وجميع الدول الغربية تقريبًا. كان جيش الشاه أفضل قوة عسكرية مسلحة في المنطقة؛ كانت هناك أيضًا قوة نخبة مهمة جدًا تسمى "جاويدان" أو "الحرس الإمبراطوري الإيراني"، والتي يسيطر عليها  الشاه نفسه مباشرةً.

لم يتوقع رضا بهلوي حجم السخط بين السكان ولم يتمكن من السيطرة على الوضع على الرغم من جيشه وعلى الرغم من قوات النخبة الموالية له؛ فأطيح به في عام 1978، وهرب إلى مصر وتوفي هناك بعد بضعة أشهر بمرض السرطان. استولت بعض القوى الدينية على الثورة الإيرانية بسرعة وأنشأت جمهورية إيران الإسلامية في عام 1979.

ثمة نتيجتان رئيسيتان بمكن استخلاصهما من الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني: إن الشعب الإيراني يستحق بالتأكيد نظاماً أفضل وأكثر ديمقراطية.إن  إيران دولة عريقة تمثل حضارة متطورة للغاية، ولا يستحق شعبها العيش في ظل أنظمة قمعية مختلفة تتخللها ثورات كل 40 سنة.

النتيجة الثانية هي أن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في التضييق على إيران متجاهلًا القانون الدولي يبدو أنها حققت بعض النجاح. هذه ليست أخبارًا جيدة لأحد، لأن كل ما يمكن أن يفعله النظام الإيراني الآن هو استخدام المزيد من القوة وأن يكون أكثر عدوانية. باختصار هذا السلوك المتهور لن يحقق السلام في الشرق الأوسط المدمر بالفعل.

عن الكاتب

إمرة غونين

كاتب في صحيفة ديلي صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس