برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

منذ مقتل قائد قوة القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس ميليشا الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في غارة أمريكية على مطار بغداد، تحول الصراع على الهيمنة على العراق بين الولايات المتحدة وإيران إلى صراع ساخن. تحمل الخطوة الأخيرة لواشنطن في طياتها إمكانية تصعيد الموقف على نحو لا رجعة فيه للأعمال العدائية بين البلدين.

هاكم موجزا سريعا لما حدث:  أطلقت كتائب حزب الله، أحد أجنحة الحشد الشعبي، صواريخ على قاعدة أمريكية في كركوك بالعراق، ما أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي. وردت واشنطن على الهجوم باستهداف مقر كتائب حزب الله، ما أسفر عن مقتل 25 من رجال الميليشيات. وردت طهران على الهجوم الأمريكي بإصدار أمر لمقاتلي الحشد الشعبي بمداهمة السفارة الأمريكية في بغداد، والتي ردت عليها واشنطن بقتل سليماني والمهندس وستة آخرين. ادعى المسؤولون الأمريكيون أن سليماني الذي يعدونه إرهابيًا، كان يخطط لشن هجوم وشيك على القوات الأمريكية في العراق.

قُتل مسؤولون عسكريون من إيران والعراق في غارة أمريكية على الأراضي العراقية، وبعبارة أخرى، يتهيأ العراق ليكون ساحة لمعركة هجينة بين الولايات المتحدة وإيران. بغداد خائفة وطهران غاضبة. حذر مسؤولون إيرانيون، في مقدمتهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، من أن واشنطن "تجاوزت الخط الأحمر"، متعهدين بالانتقام في المقابل.

حرب شاملة في طور التكوين

يخشى بعض المراقبين أن تؤدي التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى حرب شاملة. وقد وصف كثيرون بالفعل اغتيال سليماني بأنه "لحظة عام 1914"، ويعنون بذلك أنه يشبه اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، وهو ما أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى.

سيكون من غير الواقعي إلى حد بعيد الاعتقاد بأن حرباً عالمية جديدة يمكن أن تندلع دون تدخل صيني أو روسي، على الرغم من هيمنة واشنطن العسكرية. حث المسؤولون الأمريكيون طهران على قبول شروط التفاوض في أعقاب الهجوم. وفي حين كرر وزير الخارجية، مايك بومبو، التزامه بتخفيف حدة التوترات، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر مباشرة: "إيران لم تنتصر قط في أي حرب، لكنها لن تخسر في المفاوضات". وهكذا وجهت واشنطن دعوة إلى طهران للتحدث إلى طاولة المفاوضات. عند التفكير في طريقة للانتقام من الأمريكيين، تحتاج إيران إلى تقييم موقفها أولاً.

سوء تقدير من جانب طهران

أساءت النخبة الإيرانية، بمن في ذلك سليماني، تقدير ترامب، إذ  فترضوا خطأ أن الرئيس الأمريكي لن يخاطر بصراع ساخن، حيث كرر الرئيس أنه سينهي توجه البلاد نحو الدخول في حروب "لا نهاية لها". اعتقد الإيرانيون أن ترامب لا يمكنه شن عمليات عسكرية "انتقائية" ضد طهران. وانطلاقا من ردود الفعل على هجمات أرامكو والاستيلاء على السفن في الخليج، استبعدت إيران احتمال أن يكون ترامب أكثر عنادا. من الواضح أن قرار واشنطن بتسمية فيلق الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية كان تطابقًا في الفعل والكلام. 

والسؤال الآن هو كيف وأين سيرد الإيرانيون على الولايات المتحدة، بالنظر إلى أن إيران أقسمت بالانتقام للقتلى.

الانتقام سيؤدي إلى خسائر كثيرة

طهران تجد نفسها بين أمرين أحلاهما مر، إذ من الواضح أن أي عمل انتقامي آخر سيؤدي إلى حرب مفتوحة. يمكن أن يؤدي رد فعل جاد من إيران إلى تحرك أمريكي ضد المزيد من كبار المسؤولين. لا توجد طريقة لمعرفة كيف سيرد ترامب على أي هجوم إيراني جديد، بالنظر إلى أنه قام بالرد على الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد بقتل سليماني. في الواقع، يمكن أن تتراوح الخطوة التالية لواشنطن بين توجيه ضربات لحقول النفط إلى ضربة نووية تكتيكية.

من ناحية أخرى، إذا ردت إيران على اغتيال سليماني بشكل معتدل للغاية، فستعاني بشدة من فقدان صورتها كحاملة لواء التوسع العسكري الشيعي، وهو ما سيكون بمثابة ضربة كبيرة للنظام الإيراني. كان سليماني قائدًا مؤسسًا لقوات الميليشيا الشيعية التي دربتها طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، وكان سليماني أهم قائد عسكري واستخباراتي للقومية الإيرانية الشيعية. ومن عامل بناء متواضع ترقى سليماني حتى أنه كان يقدم التقارير مباشرة إلى خامنئي، ويصبح رئيس إمبراطورية عسكرية.

ألحق اغتيال سليماني أضرارًا لا يمكن إصلاحها لما يسمى "محور المقاومة" في إيران. تهدد واشنطن الآن بتجاوز استهداف القادة العسكريين الرسميين، إلى جانب جميع الميليشيات الإيرانية في المنطقة. سيحدد رد طهران مصير التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس