محيي الدين أتامان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع القادة الرئيسيين في الأزمة الليبية، من بينهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، أصبحت تركيا في الواجهة من جديد كمغيّر لمسار اللعبة في سياسات الشرق الأوسط. أسفرت جهود تركيا الدبلوماسية عن وقف لإطلاق النار في وقت كانت فيه طرابلس على وشك الوقوع في أيدي اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، وحشدت كثيرا من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، مثل الجزائر وتونس وإيطاليا وألمانيا لاتخاذ المزيد من المبادرات في الأزمة الليبية.

أقنعت تركيا روسيا بتغيير موقفها في ليبيا. بعد اجتماع أردوغان وبوتين، سحبت روسيا معظم مرتزقتها من ليبيا، وهو ما أرسل رسالة إلى حفتر ومؤيديه الإقليميين لتبني سياسة أكثر مرونة. كما أقنعت تركيا حكومة الوفاق الوطني الشرعية بقيادة فايز السراج بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار. 

على أنه يبدو أنه سيكون من الصعب إقناع حفتر بقبول اقتراح وقف إطلاق النار. وهناك كثير من الأسباب والمؤشرات حول سبب عدم استمرار وقف إطلاق النار المقترح.

بادئ ذي بدء، لن ينسحب حفتر وداعموه الإقليميين - أي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر - من المناطق التي تم الاستيلاء عليها حاليًا. منذ أن شن هجومًا على العاصمة الليبية طرابلس في نيسان/ أبريل الماضي، سيطر حفتر على معظم أنحاء البلاد. وهو يسيطر الآن على أكثر من 80٪ من أراضي البلاد. ومع ذلك، يعيش أكثر من نصف سكان ليبيا تحت سيطرة الحكومة الشرعية في طرابلس وضواحيها. ولن يقبل حفتر وداعموه التخلي عن هذه المكاسب.

ثانيًا، إن حفتر والدول التي تدعمه عازمون على السيطرة على كامل الأراضي الليبية بالوسائل العسكرية. تواصل دولة الإمارات العربية، أحد أهم مؤيدي حفتر، تزويده بأنظمة أسلحة متطورة. لذلك لن يتفقوا من حيث المبدأ على أي حل ممكن من خلال الوسائل السياسية أو المفاوضات الدبلوماسية. يبدو أن حفتر وأنصاره سيستغلون الشروط الجديدة التي نص عليها اقتراح وقف إطلاق النار التركي والروسي. وحيث إن  اقتراح وقف إطلاق النار يعد حفتر طرفًا رسميًا في النزاع، فإنه لن يقبل وقف إطلاق النار إلا لإضفاء الشرعية على موقفه. ومهما يكن من أمر فلا ينبغي لأحد أن ينسى أنه حتى الآن التقى الطرفان سبع مرات، وبسبب موقف حفتر المتعنت، لم تستمر أي من هذه المحاولات السياسية.

يعرف جانب حفترجيدًا أن هناك قليلا من الدول التي تقف إلى جانب الحكومة الشرعية. وبالنظر إلى أن معظم الدول العالمية والإقليمية تدعم حفتر، فإن كتلته واثقة من أنها ستكسب على المدى الطويل. لذلك، يجب أن تكون تركيا على حذر بالغ بعدم السماح بأي أمر واقع في ليبيا، ويجب عليها أن تحمي الحكومة الشرعية كطرف فعال.

عززت سياسة تركيا الخارجية المرنة تجاه الأزمة الليبية وشروعها في حملة دبلوماسية قوة أنقرة المقنعة تجاه بعض الدول الإقليمية والعالمية لتعزيز العملية السياسية في الأزمة الليبية.

ثالثًا، من غير المتوقع أن تحل القوى العالمية، مثل روسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، الأزمة الليبية، مثلما أظهرت في الأزمات الشرق أوسطية الأخرى. ومن المفارقات، ولكنه ليس من المستغرب، أن هذه القوى كلها تدعم حفتر، الطرف غير الشرعي للأزمة.

من المعروف أن حفتر الذي كان أحد كبار جنرالات القذافي، تلقى تعليمه في كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. وهذا يعني أن لديه روابط وثيقة مع كلتا الدولتين. وعلاوة ذلك، تلقى الدعم من فرنسا والإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية. وبعبارة أخرى إنه ليس ممثلًا مستقلًا ويعتمد كليًا على الجهات الخارجية الفاعلة. علاوة على أن أكثر من نصف قواته هم من المرتزقة الروس والسودانيين الذين يتقاضون أجورهم من دول الخليج على وجه الخصوص.

وخلاصة القول أنه ينبغي الأخذ في الحسبان سياسات حفتر المتضاربة التي يستبعد أن تقبل التصالح في المستقبل القريب.

نتيجة لذلك، ما لم تكن هناك قوة ردع مضادة لحفتر، فلن يقبل هو وداعموه الإقليميون وقفًا طويل الأجل لإطلاق النار. ولذلك، يجب على حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وداعميها تعزيز موقفهم ضد الهجمات المستقبلية المحتملة. وبعبارة أخرى، يجب أن يستعد الجيش الوطني للقتال ومقاومة حفتر من أجل البقاء في اللعبة. بخلاف ذلك، سيواصل حفتر هجومه إلى أن يصبح الحاكم الوحيد للبلاد، والذي لن يحقق الاستقرار في ليبيا على المدى الطويل، ويختطف مستقبل الدولة والشعب الليبي. ستبقى ليبيا معتمدة على بعض القوى الإقليمية والعالمية في المستقبل المنظور.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس