ترك برس

تعد "المجاعة الكبرى" أكبر كارثة مرت بها أيرلندا على الإطلاق، ولا تزال المعونة المالية والغذائية والدوائية التي قدمها العثمانيون في ذاكرة الشعب الأيرلندي رغم مرور 173 عاما.

فقد أدت المجاعة التي دامت سبع سنوات، والمعروفة باسم المجاعة الكبرى أو ندرة البطاطا في القرن التاسع عشر، إلى وفاة أكثر من مليون شخص في أيرلندا التي كانت آنذاك تحت الحكم البريطاني، وتركت آثارًا عميقة في ذاكرة الشعب الأيرلندي.

بدأت المجاعة بتعفن البطاطا في الحقول بسبب الفطريات، ففسدت البذور الزراعية لسنوات، مما اضطر أكثر من مليون شخص أيرلندي للهجرة إلى الولايات المتحدة في حينها، وتُرِك الفقراء للموت جوعا لعدم تمكنهم من مغادرة البلاد.

كانت سنة 1874 أشرس سنوات المجاعة، فقد سميت بالسنة “السوداء 47”، لم تتحسن حينها البذور، ولم يتوقع الأيرلنديون أن تأتيهم المساعدة من العثمانيين”.

السلطان العثماني يمد يده للمساعدة

في إسطنبول على بعد آلاف الكيلومترات، أخبر طبيب أسنان أيرلندي السلطان عبد المجيد بالمجاعة التي يعيشها شعبه.

قرر السلطان على الفور إرسال 10000 جنيه إسترليني (ما يعادل بالقيمة الحالية 8 ملايين ليرة تركية، أو 1.3 مليون دولار تقريبًا) لمساعدة وإنقاذ الأيرلنديين الجائعين.

رفضت الملكة فيكتوريا قبول المبلغ، طالبة تخفيضه إلى 1000 جنيه إسترليني، لأنها لم تتبرع إلا بمبلغ 2000 جنيه إسترليني، فإنجلترا لم ترغب بقبول مبلغ يتجاوز مساعدات ملكتها.

خفّض السلطان عبد المجيد المساعدات وأرسل ألف جنيه إسترليني إلى إيرلندا، راغبًا بأن يتمكن من المساعدة بما هو أكثر.

ونقلت قناة "تي ري تي وورلد" في تقرير لها حديث السفير التركي في دبلن ليفينت مراد برهان، الذي قال: "أراد السلطان عبد المجيد أن يفعل أكثر من ذلك، فأمر بإرسال ثلاث سفن مليئة بالاحتياجات العاجلة من غذاء ودواء وبذور زراعية”.

لكن البحرية البريطانية لم تسمح لأي سفينة أجنبية بالاقتراب إلى ميناء مدينة “كورك” أو العاصمة دبلن، وقال برهان "لذلك كان يتعين على السفن العثمانية إرسال المساعدات بشكل سري عبر ميناء “دروغيدا” في الشمال”.

وعلى الرغم من مرور 173 عامًا على هذه الحادثة، لم ينسى الأيرلنديون كرم الإمبراطورية العثمانية، التي غيرت مصير أسلافهم إبان المجاعة الكبرى، وخلدته ببعض الآثار والصور.

عُلّقت لوحة على جدار بلدية دبلن في عام 1995، من قبل كل من عمدة دروغيدا فرانك غودفري، وتانر بايتوك سفير تركيا في دبلن، تحمل هذه الكلمات: "شعبنا الأيرلندي يكرم الشعب التركي في ذكرى مجاعة أيرلندا الكبرى عام 1847"، وتمت إضافة شعار النجمة والهلال إلى بلدة دروغيدا في تلك الفترة.

وعلقت رئيسة أيرلندا ماري مكاليز في أثناء زيارتها لأنقرة في عام 2010 قائلة: "لم ينسَ الشعب الأيرلندي أبدًا هذا الكرم النادر، فعبر عن امتنانه برسم شعارات الهلال والنجمة على أذرعه”.

ويحمل فريق كرة القدم المحلي دروغيدا يونايتد هذا الشعار، الذي نحت أيضا على حجارة المدينة ونقش على جدرانها.

وكان أهم دليل على امتنان الشعب الأيرلندي للعثمانيين رسالة شكر من مسؤولي ونبلاء دروغيدا، عرض السفير برهان نسخة منها تقول:

"إلى زاد شاهنلاري سلطان الإمبراطورية العثمانية عبد المجيد خان، نحن الأعيان الأيرلنديون الموقعون في الأسفل، نطلب الإذن للتعبير عن الشكر العميق والامتنان لكرمكم الواسع وتعاطفكم مع الشعب الأيرلندي البائس المغدور”.

وقالت الرسالة: “لم يبق لنا حل لإنقاذ شعبنا وعائلاتنا من المجاعة سوى طلب المساعدة والإحسان من الدول الأخرى، غير المتضررة من المجاعة”، وأضافت: “أنتم أجبتم نداء عائلاتنا بمساعدة سخية أنقذت كثيرين منها، ونيابة عن الشعب الأيرلندي، نرجو منكم تقبل شكرنا وامتناننا”.

"رجل كريم، طيب وحنون"

أشيد على الفور في مجلة دينية، بكرم السلطان العثماني في مقال بعنوان "السلطان المحب للخير"، كتب فيها "للمرة الأولى يسجل التاريخ أن حاكمًا مسلمًا، تحت إمرته عدد كبير من المسلمين، أظهر عاطفة قوية لشعب مسيحي، سيوزع ما تكرموا به على جميع الجمعيات الخيرية بالتعاون بين أتباع الهلال والصليب”.

وورد ذكر السلطان أيضًا في مجلة قومية أيرلندية، على أنه "رجل كريم، وحنون وطيب”، وكان موقفه مشرفًا يليق بالإسلام.

كما ذكر الروائي الأيرلندي جيمس جويس، مساعدة السلطان عبد المجيد، في روايته أوليسيس، التي لها مكانة مهمة في تاريخ الأدب الروماني، كما انتقدت إحدى الشخصيات في الرواية موقف البريطانيين وقت المجاعة، وقالت: "حتى التركي العظيم أرسل قروشه”.

ذكر السفير برهان أنه يلقى ترحيبًا حارًا عند كل زيارة يقوم بها إلى مدينة دروغيدا، مؤكدا أن الأيرلندنيين يكنون الاحترام والحب للأتراك حتى اليوم، كما يحضر العلم التركي خلال الفعاليات الخيرية التي يقوم بها رئيس بلدية دروغيدا السابق فرانك جيفري.

وأضاف برهان أن السفارة رعت مباراة ودية بين نادي دروغيدا يونايتد وشقيقه نادي طرابزون سبور، حاملين نفس الألوان في عام 2011.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!