أسامة حساني - خاص ترك برس

في الثالث والعشرين من شهر أبريل/ نيسان عام 1526م سار السلطان سليمان القانوني من عاصمة الدولة العثمانية "إسطنبول" متجهاً إلى "بلغراد" بعد أن عزم على فتح بلاد المجر (هنغاريا)، لم تكن "المجر" آنذاك المجر الحالية الصغيرة، بل كانت اتحاد المجر وتشيكوسلوفاكيا، وهي تشمل عدا تشيكوسلوفاكيا الحالية كافة الأقطار الشمالية ليوغسلافيا (سلوفينيا، كرواتيا، إكلافونيا، فويفودينا، ترانسلفانيا)، كانت دولة كاثوليكية ذات جيش قوي، إذ كانت دولة راسخة يعود تاريخها إلى أكثر من 637 سنة.

وصل الجيش العثماني إلى "بلغراد" في التاسع من تموز/ يوليو 1526م، وتمكّن الجيش العثماني من الاستيلاء على قلعة "بترفارادين" بعد ثلاثة عشرة يوماً من حصارها، وبهذا تمكن الجيش العثماني من عبور نهر الطونة (الدانوب) بسهولة بفضل الجسور الكبيرة التي تم تشييدها، وفي 23 آب/ أغسطس هدم السلطان سليمان بالمدفعية جسر "درافا" بمعنى أنّه لا عودة إلى الخلف، لذا كان يتحتم على الجيش العثماني فتح المجر.

بعد أن استولى الجيش العثماني على عدة قلاع وتحصينات مهمة على نهر "الطونة"، وبعد أن قطع الجيش قرابة 1000 كم من إسطنبول، وصل الجيش إلى "وادي موهاكس" الذي يقع جنوب غربي المجر، حيث التقى الجيشان، وكان قوام الجيش العثماني حينها ما يقارب المائة ألف جندي، وكان مدجّجاً بثلاثمائة مدفع، وثمانمائة سفينة، وبلغ الجيش المجري بقيادة الملك "لويس الثاني" نحو مائتي ألف جندي من أقوام مختلفة، ومن بينهم ما يزيد عن أربعة آلاف مقاتل من الوحدات المساعدة القادمة من ألمانيا.

كانت أرض المعركة عبارة عن مستنقعات متناثرة بسبب هطول الأمطار باستمرار منذ شهور دون توقف، لذا كان جزءٌ كبيرٌ من السهل في الواقع مستنقعاً كبيراً.

في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس 1526م، بعد صلاة الفجر وقف السلطان سليمان خاطباً بين صفوف الجند، وحثّهم على الصبر والثبات، واستننهض الهمم، وكان ممّا قاله: (إنّ روح الرسول صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم)، ممّا أثار حماس الجيش ولم يتمالك الجند دموعهم حينها تأثراً بما قاله.

كانت خطة الجيش العثماني التي أعدها الصدر الأعظم "إبراهيم باشا" تقضي بأن ينسحب العثمانيون من المقدمة ليفتحوا المجال أمام المدافع لحظة اندفاع المجريين فتحصدهم المدافع والقناصة العثمانيون.

هجم المجريون في وقت العصر، فأمر السلطان صفوف الجيش العثماني الأولى بالانقسام إلى قسمين ليفتحوا المجال أمام المدافع العثمانية، حينها بدأت المدافع بإطلاق نيرانها فحصدت منهم الكثير، وتناثرت صفوفهم، وطوقهم الجيش العثماني، واستغرقت المعركة قرابة الساعة والنصف، في نهايتها أصبح الجيش المجري الذي عاش 637 سنة في ذمة التاريخ.

غرق أكثرهم في المستنقعات، ومن بينهم الملك "لويس الثاني"، وأُسِر البقية وهم حوالي 25 ألف جندي، وكانت خسائر العثمانيين قرابة 1500 شهيد، وبضعة آلاف من الجرحى.

هكذا انتهت الحرب خلال رمشة عين، انتهت بنصرٍ مؤزر لصالح الجيش الإسلامي العثماني، لم يشهد التاريخ مثل هذه الحرب التي حسمت نتيجتها في معركة واحدة.

أدى انتصار العثمانيين في هذه المعركة إلى إحكام سيطرتهم على المجر وفتح عاصمتها بودابست والقضاء على ما كان يعرف باسم "مملكة المجر"، وتقلص نفوذ الملك الإسباني.

مكث سليمان القانوني في المدينة ثلاثة عشر يومًا ينظم شؤونها، وعين جان "زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى القسطنطينية بعد أن دخلت المجر للدولة العثمانية.

وحتى هذا اليوم، يعتبر المجريون هزيمتهم في هذه المعركة شؤما عليهم ونقطة سوداء في تاريخهم، فعلى الرغم من مرور أكثر من 400 عام إلا أن هناك مثلاً شائعاً لدى المجريين "أسوأ من هزيمتنا في موهاكس" ويُضرَب عند التعرض لحظ  سيء.

تُذكّرنا هذه المعركة بسرعة حسمها يوم أتى رسول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – من إحدى الغزوات فبشره بالنصر، فسأل عمر الفاروق متى بدأ القتال؟

 فقالوا: قبل الضحى.

فقال: ومتى كان النصر؟

فقالوا: قبل المغرب..

فبكى سيدنا عمر حتى ابتلت لحيته، فقالوا يا أمير المؤمنين نبشرك بالنصر فتبكي!؟

فقال رضي الله عنه: والله إن الباطل لا يصمد أمام الحق طوال هذا الوقت إلا لذنب أذنبتموه أنتم أو أذنبته أنا، نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد، ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا وكثرة ذنوب الأعداء، فلو تساوت الذنوب انتصروا علينا بالعدة والعتاد.


مصادر:

- يلماز أوزوتونا – تاريخ الدولة العثمانية.

- سيد محمد السيد محمود – تاريخ الدولة العثمانية (النشأة – الإزدهار).

عن الكاتب

أسامة حساني

محرر في وسائل التواصل الإجتماعي في ترك برس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس