محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

لا يختلف تأثير وباء كورونا على مستوى اللأفراد وعلى مستوى الدول كثيرا، فعلى صعيد الأفراد هناك القوي والضعيف، الشاب والعجوز، السليم والمريض إضافة إلى الظروف والأحوال كالحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، كذلك هو الحال على مستوى الدول.

وحيثما يحل هذا الوباء أو الضيف غير المرغوب به إن صح التعبير، فهو يترك تأثيراته الكارثية على تلك الدول والمجتمعات طالما لم تستعد لمثل هذه الأزمات جيدا، ربما بسبب ضعف مؤسساتها الصحية، وأولى خطوطها الدفاعية سواء كانت مؤسسات رسمية أو منظمات مجتمع مدني ماديا ومعنويا.

وبالطبع فإن أحداث كورونا ستكون لها تأثيرات رئيسية وجانبية وفرعية للدول آنيًا ومستقبلا، وستكون هذه التأثيرات مرتبطة باستعدادات تلك الدول لهذه الأزمة الكارثية، وأهم هذه الاستعدادات هي التكافل والضمان الصحي الاجتماعي وتهيئة متطلبات الحجر الصحي والإنعاش الرئوي للمصابين الذين يعانون من أزمات إضافية، سواء كان مرض أم ضعف في المناعة بسبب التقدم في العمر. وحيث أن أوربا أو كما توصف بالقارة العجوز التي تحوي نسبة كبيرة من الأعمار المتقدمة والمحتاجة إلى رعاية صحية متميزة في الظروف العادية، فكيف إذا واجهتها أزمة مثل وباء كورونا المنتشر والفتاك.

من الواضح أن الدول التي  وقفت وقفة فعالة وجدية أمام هذا الوباء وتحملت الصدمة الأولى لتلك الموجة الزلزالية المدمرة هي الدول الفتية والتي كانت وما زالت تعتمد على جهودها وإمكاناتها الذاتية وتجدد وتطور كل مؤسساتها بوتيرة واحدة وبصورة مستمرة.

أما دول أوربا مجتمعة فلا يمكن القول إنها تمثل واقعا وحدويا تتساوى به كل الدول، فهي تشبه إلى حد كبير إحدى البلدان التي تدعي أنها تتبع النظام الرأسمالي الطبقي لوجود واحد بالمائة من الشعب يمتلك الصفة البرجوازية والسيطرة على كل واردات الدولة، والنسبة الأكبر المتبقية هي مسحوقة تماما ولا تستطيع مواجهة أي محنة مهما كانت يسيرة أو قصيرة الأمد، ولذا عند قراءتنا للوضع الأوربي نلاحظ أن تلك الدول المجتمعة تقاسمت الطبقية، بل هي التي خلقتها عند توحيدها مع بعض الدول ثم توالت درجات وفوارق الطبقية المجتمعية والاقتصادية والثقافية الأوربية باستمرارية وجودها وتقادمها، ولم تكن هناك أية آمال مستقبلية بخصوص تقليل هذا الفارق الطبقي بين الدول، بل الخوف من حصول فوارق إضافية شاسعة قد تؤدي إلى انسلاخ بعض دولها مستقبلا وحتى بدون وجود عوارض كارثية تعجل من تلك الانسلاخات كما حدث مع بريطانيا عندما غادرت الاتحاد الأوربي غير آسفة على سنين العشرة والخبز والملح.

ومن غيرالمعقول أن نقول إن دول أوربا، كل على حده، لم تبادر بتهيئة استعدادتها لمواجهه هذه الأزمات الكارثية، ولكن على الأرجح أن استعداداتها لم تكن على مستوى الطموح المطلوب، إذ ربما لم تتوقع وقوع كارثة حقيقية وصادمة بهذا الحجم مثل الكورونا، مع العلم أن بعض الدول الأوربية المتقدمة تتهيأ في الغالب بصورة فعلية وجدية وربما لكوارث أقل فتكا، وذلك لوجود إمكانات مادية تسهل لها عمليات الاستعداد والمواجهة لهذه الكوارث.

لكن من المعلوم أن هناك دول أوربية كانت تعاني من إخفاقات اقتصادية ومالية حقيقية ومخيفة وكانت طوال السنين الماضية تحاول إصلاح شأنها المالي والاقتصادي بالاستعانة بالدعم المقدم لها من رئاسة الاتحاد الأوربي، ولم تتمكن من تهيئة استعداداتها أمام هذه الأزمة سواء أكانت ترغب في إدخالها ضمن برنامجها الاستراتيجي أم لا بسبب العجز في الميزانية.

وما حدث للاتحاد الأوربي بصورة عامة من تداعيات وتأثيرات مخيفة نتيجة عدم استطاعته التوفيق والتضامن والمؤازرة في مجابهة هذا الوباء، وما نتج عن ذلك من كشف لضعف الأجهزة والمؤسسات المرتبطة بالاتحاد الأوربي في الأيام الأولى من الأزمة وقبل تفاقمها يضعنا أمام تساؤلات حقيقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوربي ووحدته بصورة عامة أو بالنسبة للدول التي تسلط عليها الوباء بصورة مأساوية.

بالطبع إن التأثيرات الخارجية الإقليمية والدولية ستكون عاملا مضافا لمعرفة تطورات مستقبل الاتحاد الأوربي، والمقصود طبعا الدول الكبرى كأمريكا والصين وروسيا كل على حده ودول رابطة الآسيان الآسيوية، فمن المؤكد أن الفرصة الآن مؤاتية جدا لأمريكا لتمزيق أكبر كارتل تجاري بعد الصين ينافسها في صناعاتها وتجارتها وأسواقها ويقف في كثير من الأحيان ضد أهدافها السياسية والاقتصادية، بل ربما أصبح ندا لمصالحها بصورة عامة، وهي التي كانت على مدار سنين طويلة دولة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن المحتمل أن تتضح الصورة الضبابية لمستقيل القوى في العالم الآن، فلو أن الولايات المتحدة تمكنت من تحقيق انتصار في حربها ضد كورونا اقتصاديا وصحيا يدعمها في ذلك تزايد نسب الوفيات والإصابات الكارثية في أوربا فإن الفرصة ستكون سانحة جدا لأمريكا للبدء بهدم جدران الاتحاد الاوربي إلى الأبد وربما خلق نزاعات بين دولها وإرجاعها إلى وضع ما قبل الحرب العالمية الثانية.

وبالتأكيد إن أمريكا كانت قد استشاطت غضبا من تكامل مؤسسات الاتحاد الأوربي مثلما رحبت بخروج بريطانيا من الاتحاد وتركها لألمانيا تصارع من أجل معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لدول الاتحاد كاليونان وإسبانيا وربما إيطاليا في فترة من الفترات.

إلا أن الفرصة المؤاتية لأوربا الآن للبقاء في كنف وحدتها هو خروج الصين متعافية تماما من صراع كوفيد 19 وتفوقها أو حتى مساواتها لقدرة الولايات المتحدة في الأمور الاقتصادية والعسكرية والصحية أيضا، وهنا ستقلب المعادلة حيث ستحاول الولايات المتحدة وبكل جهدها أن يكون الاتحاد الأوربي حائط الصد الأول والأقوى أمام الصين مثلما تحاول دول الاتحاد تقوية مؤسسات اتحادها المشتركة اقتصاديا، وربما ستحاول استمالة تركيا للدخول إلى ناديها بعدما حاولت منعها لعشرات السنين من التقرب من جدارها، أما الآن وبعد أزمة كورونا فقد تساوت الأقدار وأصبحت كفة المسائل الإنسانية تتفوق على كفة باقي الفروقات الدينية.

وفي الختام فإن من الواضح أن بعض دول أوربا لن ترضى بهذا المستوى من العلاقات رغم إخفاقات مسألة كورونا، وبالتالي ستحاول تعزيز علاقاتها أكثر وأكثر بينها وإن تعالت أصوات بعض السياسين في إيطاليا وغيرها تطلب الخروج من الاتحاد، ومن المؤكد أنها ستقيُم علاقاتها مع دول خارج الاتحاد ومنها تركيا المرشحة للعب دور كبير في داخل الاتحاد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس