دلين سردار النوري - خاص ترك برس

تعيش البشرية الآن أمام هلع كبير من فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) كونه يعد جائحة يختلف نمط انتشارها عن سابقاتها من الفايروسات التاجية التي تصيب الجهاز التنفسي، وأمام تزايد ملحوظ في الإصابات وارتفاع في عدد الوفيات، والاستنفار العالمي لمواجهة انتشارها حاليا في أشدّه في حين أن معدل العدوى يتسع بشكل سريع.

بداية ظهور الفايروس كان في كانون الأول/ ديسمبر2019 في مدينة ووهان الصينية، علمياً يعتبر هذا الفايروس الأحدث والاخطر ضمن سلالة فيروسات كورونا التي ظهرت أول انواعها 2002-2003 وسمي بوباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (SARS)، وفي  2012 انتشرت السلالة الثانية منها وسميت بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS). وتُعدّ فيروسات الكورونا حيوانية المنشأ، وهي قادرة على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان ومن ثم تنتقل العدوى من إنسان إلى آخر.

وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية (كوفيد 19) جائحة، وبالتالي يختلف عن الوباء، فالوباء قد يكون انتشاره في منطقة جغرافية كبيرة ومحصورة في دولة واحدة أو عدد قليل من الدول.

أما الجائحة فتعني انتشارًا عالميا للمرض شاملا عددا غير قليل من الدول، وهو ما نشهده الآن. وعليه اختلفت وجهات النظر والآراء حول طبيعة الفيروس ومصدره وإخفاء المعلومات عنه، إذ اعتبره جانب بأنه حالة مرضية تطورت بفعل عوامل طبيعية حصلت في سلالة عائلة معينة من الفايروسات باعتبار أن لها القدرة على التطور الطبيعي والتكيف مع المتغيرات البيئية لكي تستمر بالنشاط والتأثير.

بينما ذهب اتجاه آخر، وهو الأكثر تداولاً، أنّه تمّ تطويره في مختبرات بيولوجية وانتشر بفعل خطأ غيرمقصود واعتباره سلاحًا بايولوجيًا استحدث لأسباب وغايات اقتصادية وسياسية، واعتبار الصين قامت بإخفاء الحقائق حوله مما تسبب بجائحة وهو رأي وإن كان المرجح في الوضع الراهن ولا سيما أن الاتهامات تتزايد بين الدول وبالأخص عندما أعرب الرئيس الأمريكي ترامب بتسمية الفيروس بـ(الصيني) إلا أنه ليس من السهل الأخذ به.

واستنادا إلى القانون الدولي فهناك اتفاقيات تحظر استخدام وتطوير الفايروسات، منها اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية 1972 والتي دخلت حيز النفاذ 1975، والغاية الأساسية منها، رغم عدم ذكرها بصيغة الإلزام، هو الابتعاد التام عن إمكانية استخدام عوامل جرثومية بيولوجية أو مواد سامة كأسلحة.

وعليه إذا ما اعتبر الفيروس سلاحًا بايولوجيًا استحدث لأسباب استراتيجية تهم من يستعمل هذه النوعية من الحروب، فهذا يعني أنه هناك فعلا خطأ قد وقع وتسبب بضرر وهنالك علاقة سببية. وهذا ما يتطلبه تقرير المسؤولية الدولية سواء أكانت عمدية أم تقصيرية.

وإذا أقرت المسؤولية الدولية سيعقبها عقوبات دولية وهي إما تعويض عن الضرر أو فرض عقوبات اقتصادية، حتى وإن كان الخطأ في صورة إخفاء المعلومات عن الجائحة وانتشارها.

وأمام هاتين الفرضيتين وصحة إحداهما فإن الأزمة معقدة ولها تداعيات واضحة على الأمن الدولي وستتضح أكثر بعد انتهاء الجائحة، فمنها:

أولاً: على الصعيد الدولي، فبعد انتشار (كوفيد 19) تراجع مفهوم الأمن الدولي أمام الأمن القومي، واتخذت جميع الدول تدابير تهدف إلى حماية أمنها القومي من خلال غلق حدودها مع دول الجوار والإسراع في جلب رعاياها من الدول الأجنبية وكذلك عدم السماح للسفن بالرسو في موانئها بالإضافة إلى انفراد كل دولة بوضع خططها الأمنية للدفاع، دون أي تدخل إنساني من الدول العظمى أو حتى دول الاتحاد كالاتحاد الأوربي، باعتبارها متضررة أيضاً، وهذا ما كان واضحاً فيما حصل في إيطاليا وإسبانيا، مما عزز مفهوم سيادة الدولة.

ثانياً: على صعيد الأمن الصحي، كشفت ضعف الأنظمة الصحية للدول في ظل التطور الطبي الحاصل حيث لم تدرك معظمها خطورة هذه الجائحة وعجزت في التدخل السريع لاحتوائها، فاستناداً إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية النافذ عام 1967 والموقع من قبل (196) دولة بما في ذلك الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية أقرت المادة (12) من العهد، بأنه على كل دولة أن تؤمن حق الإنسان في بيئة صحية واتخاذ التدابير اللازمة  لممارسة هذا الحق، هذا بالإضافة إلى تاكيد منظمة الصحة العالمية وبعد انتشار وباء السارس أن على الدول الالتزام بمسؤوليتها الدولية باحترام الحق في الصحة.

ثالثا: على صعيد الأمن الاقتصادي، فمن التداعيات الصارخة لـ(كوفيد 19) هو انهيار معظم اقتصادات العالم وشللها ابتداء من ذوي الأجر اليومي فنتيجة الحظر والحجر الصحي الإلزامي خسروا أعمالهم مما تسبب بأزمة بطالة، بالإضافة إلى انفراد الدول بدعم اقتصادها الداخلي وانهيار السوق الاقتصادي الدولي والذي ستكون نتائجه أكثر صرامة على العالم أجمع حتى بعد انتهاء الجائحة وبالتالي فإن الاقتصاد سيكون تنافسيا أكثر مما هو تعاوني، وإن كان التأثير متباينا بين الدول.

وفي الختام فإن انتشار فيروس (كوفيد 19)، يعيد الدعوات المخلصة إلى العمل مجدداً في إطار الأمم المتحدة للحفاظ على سلامة الأمن الصحي العالمي والأمن والسلم الدوليين وضرورة تفعيل الاتفاقيات الدولية كاتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، وإصدار قرارات لمنع الحروب البيولوجية ومعاقبة مرتكبيها، وإنّ الاستهانة بهذا الأمر سيؤدي إلى كارثة بشرية كبرى.

عن الكاتب

دلين سردار النوري

مستشارة قانونية وأستاذة جامعية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس