د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

في فبراير الماضي، وجّه المسؤولون الإيرانيون طلباً إلى نظرائهم في تركيا بالمساعدة على مواجهة فيروس كورونا، فنصحهم الأتراك بضرورة إغلاق مدينة قم وعزلها، لكنّ الرد الإيراني جاء سريعاً، إذ قال هؤلاء بأنه "لا حاجة إلى ذلك". اتخذت السلطات التركية حينها قراراً بإيقاف خدمات السكّة الحديدية إلى إيران، وإغلاق الحدود، وإيقاف الرحلات الجوية منها وإليها، وذلك على خلفية انتشار فيروس كورونا في البلاد وخوفاً من انتقاله سريعاً إلى تركيا.

مع تدهور الوضع داخل إيران في بداية مارس، شكّل الإيرانيون وفداً للذهاب إلى تركيا من أجل لقاء وزير الصحّة فخرالدين قوجة واللجنة العلمية التابعة للوزارة لبحث جهود مكافحة كوفيد-19، لكنّهم فوجئوا برد المسؤولين الأتراك، إذ نُقل عن وزير الصحّة التركي في حينه أنّه قيل لهم “لا تأتوا، لنبحث الأمر عبر سكايب". الإجراء التركي الاحترازي كان مؤشّراً على إدراك أنقرة لمدى تدهور الوضع في إيران، وخطورته على الجانب التركي.

مع إطلاق أنقرة "دبلوماسية المساعدات الطبيّة"، نالت إيران حصّتها من الجهود التركية، إذ تمّ التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في مارس الماضي وقّعه كل من نائب وزير الصحة التركي والسفير الإيراني في أنقرة وتمّ بموجبه التبرّع بما يزيد على 10 طن من المساعدات الطبيّة إلى إيران، شملت أقنعة طبيّة وعادية وألبسة واقية وقفازات وأدوية ومعدّات طبيّة.

شكر سفير طهران الحكومة التركية على المساعدات المقدّمة لبلاده، وبدا أنّ المسؤولين الإيرانيين يستخدمون لغة إيجابية في هذه المرحلة بعد أن كان التوتر بين البلدين قد ارتفع بشكل ملحوظ مع حملة درع الربيع التركية في إدلب. بدا أنّ كوفيد-19 يشكّل فرصة لتقارب الجانبين، ولذلك ثارت تساؤلات حول إذا ما كانت دبلوماسية المساعدات الطبيّة التي اتبعتها أنقرة ستُغيّر من شكل العلاقة بين تركيا وإيران فيما بعد.

وفقاً لوزيرة التجارة التركيّة، فإنّ الفيروس قد أثّر سلباً على حجم المبادلات التجارية للبلاد. وفي حالة إيران، فقد انخفض حجم التجارة معها بحوالي 85٪ في شهر مارس. يُعدّ ذلك أحد المؤشرات المنتظرة لتداعيات الفيروس من الناحية الاقتصادية، إذ أنّ التبادلات التجارية بين البلدين لن تعود إلى طبيعتها على الأرجح ما لم يتم تطبيع الوضع. وحتى في هذه الحالة، فإنّ التباطؤ الاقتصادي سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض حجم التبادل التجاري بينهما.

على الرغم من قرار الطرفين الفصل بين الخلافات السياسية والتبادلات التجارية، فإن هذه المعادلة لم تنجح سابقاً في رفع حجم التعاون الاقتصادي بينهما بالشكل المأمول وليس من المتوقّع أن تتغيّر في مرحلة ما بعد الفيروس بسبب استمرار العقوبات الأميركية على إيران وانخفاض أسعار النفط.

من المفارقات التي يمكن ملاحظتها أنّ رغبة الإيرانيين في تملّك الشقق في تركيا ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية. من المنتظر أن يستمر هذا المسار بالصعود في مرحلة ما بعد كورونا خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أرقام شهر مارس الماضي التي تُبيّن أنّ الإيرانيين في مقدّمة الجنسيات التي تتملّك الوحدات السكنيّة في تركيا. وفقاً لأرقام معهد الإحصاء التركي، فإنّ الإيرانيين تملكوا في مارس الماضي شققاً في تركيا بزيادة تبلغ 40٪ عن الشهر نفسه من العام 2019 وثلاثة أضعاف ما اشتروه في مارس من العام 2018.

أحد أهم أسباب هذه الزيادة في التملّك في تركيا علاوة على تدهور الوضع داخل إيران هو الرغبة في امتلاك جنسية تركية أو الحصول على إقامة تتيح للإيراني حريّة الحركة والاستقرار وأيضا ممارسة الأعمال التجارية دون التعرّض للعقوبات الأمريكية. ولذلك، فطالما أنّ الوضع في إيران سيستمر على حاله، فمن المتوقع أن يستمر الطلب كذلك على التملك في تركيا بعد فيروس كورونا.

ومع أنّ المساعدات الطبيّة التركيّة الأخيرة إلى طهران من شأنها أن تُعزّز من صورة أنقرة وقوّتها الناعمة داخل إيران، إلاً أنّه من غير المتوقع لها أن تؤدي إلى تغيير طبيعة العلاقة بين البلدين والتي تقوم على التنافس الإقليمي بالدرجة الأولى. يظهر ذلك بشكل جلي في الملفين السوري والعراقي على وجه التحديد. ففي موازاة تسلم إيران للمساعدات التركية، كانت طهران تقوم بتجنيد المزيد من الميليشيات الشيعية في سوريا. بعض التقارير تشير إلى انّها جنّدت في ذلك الشهر حوالي 9 آلاف مقاتل شيعي، وعملت على تعزيز مواقعها في محيط إدلب.

الموقف الإيراني في سوريا والعراق لم يتغير، وليس من المتوقّع أن يتغير بعد كوفيد-19. في حقيقة الأمر، فإنّ إيران استغلت الجائحة لتقوم بتعزيز مواقعها في ساحات نفوذها الإقليمي، وهو ما من شأنه أن يزيد من التوترات مع تركيا لا أن يخفّفها، لا سيما بعد الضربة القويّة التي تلقتّها الميليشيات الموالية لإيران في عملية درع الربيع التركية في إدلب في بداية مارس حينما قاتلت ميليشيات موالية لإيران إلى جانب نظام الأسد ضد تركيا، وتمّ قصفها بمُسيّرة تركيّة.

خلاصة الأمر أنه لا تغيّر متوقع في الديناميات التي تؤطّر العلاقات التركيّة - الإيرانية على المستوى السياسي بين البلدين، إذ أنّ العلاقة القائمة بينهما على التنافس الإقليمي ستبقى على حالها دون تغيير بتأثير من الجائحة بالرغم من التغييرات التي ستطرأ على الأرجح على المستوى الاقتصادي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس