د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

ركّزت التغطية الإعلامية خلال الأسبوعين الماضيين على الانتقادات التي وجّهتها الصحافة الروسية للأسد ونظامه، مُقدّمةً العديد من التفسيرات المرتبطة بالمشهد الداخلي والإقليمي المتشابك بين أقطاب النظام من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة أخرى.  وردّاً على ما تعرّض له رئيس النظام من إهانات، قامت شخصيات سورية رسمية وعامة محسوبة على الأسد بالتهجّم على بوتين وانتقاد حكومته علناً.

وقد لوحظ مؤخراً أنّ وتيرة الانتقادات الموجّهة لبوتين على مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للنظام قد ازدادت بُعيد هذا التطوّر، وهو ما يعني أنّ الموضوع ليس هامشيّاً أو عرضيّاً وأنّ النظام يحاول على الأرجح أن يدافع عن نفسه دون أن يتبنى ذلك رسمياً، تماماً كما فعلت موسكو.

من المثير للاهتمام في هذا الاشتباك الكلامي والإعلامي أنّ عدداً ممّن انبروا للدفاع عن الأسد في وجه روسيا هم في حقيقة الأمر موالون للنفوذ الإيراني أيضاً، وهو مؤشر على أنّ ما يجري بين موسكو ونظام الأسد قد لا يكون نزاعاً بالأصالة وإنما بالوكالة، أي بين روسيا وإيران تحديداً.

خلال الشهرين الماضيين، حصلت ثلاثة تطورات مهمّة ربما تكون السبب الأساسي في تزايد الهوّة بين روسيا وإيران. التطوّر الاوّل عملية درع الربيع التي شنّتها أنقرة ضد نظام الأسد في إدلب، في بداية شهر مارس، والتي أدّت الى إبادة جزء لا يستهان به من قوات النظام فضلاً عن الميليشيات الإيرانية الموالية للحرس الثوري في المنطقة. زادت هذه العمليّة من الشكوك لدى إيران حول مدى التزام موسكو بحماية نظام الأسد.

فضلاً عن ذلك، فقد اتجهت موسكو وأنقرة بعد هذه العملية إلى عقد اتفاق ثنائي دون أن تكون إيران حاضرة على طاولة المفاوضات، وهو ما يؤكّد عدم احترام الطرفين لـ "مكانة إيران المفترضة" في المعادلة السورية، أو رغبتهما في تهميشها باعتبارهما اللاعبين الأكثر أهمّية في الملف السوري.

التطوّر الثاني، هو استمرار إسرائيل في توجيه ضربات ضد أهداف تابعة لنظام الأسد ولإيران داخل سوريا دون أن تقوم موسكو باعتراضها أو إيقافها علماً أن الضربات باتت تتم داخل العمق السوري وفي الأطراف بعيداً عن الحدود السورية - الإسرائيلية، وهو ما يشكّل عامل استنزاف حقيقي للحرس الثوري الإيراني ويطيح بجهوده للاستيطان في سوريا في وقت يمر فيه بحالة عدم توازن في مناطق نفوذه في الإقليم بعد اغتيال قاسم سليماني بداية هذا العام.

أمّا التطوّر الثالث، فيتعلّق بتدهور الوضع المالي للاعبين الثلاثة روسيا ونظام الأسد وإيران، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً بشكل غير مسبوق منذ ٢٠ عاماً، والعقوبات الأمريكية على النظام الإيراني، والأزمة الاقتصادية العالمية المُرتقبة. هذه المعطيات تقطع الطريق على مساحة المناورة التي كانت قائمة لدى هؤلاء الأفرقاء فيما يتعلق بالاستحقاقات المالية والمكاسب المنتظرة من الاستثمار في الأزمة السورية. الجميع يريد أن يحصل على عائدات استثماره فوراً سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو حتى العسكرية.

الأسد هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة، ولذلك فهو تحت ضغوط متزايدة من الطرفين. الإيرانيون الذين يركّزون على بناء جيش من الميليشيات الشيعية الموالية لهم في الداخل السوري باتوا ينظرون إلى الدور الروسي على أنّه يحول دون سيطرتهم الكاملة على النظام ويقوّض من خططهم المستقبلية في البلاد. أمّا الروس، فباتوا ينظرون إلى الدور الإيراني على أنّه عامل معيق للخطط الروسية لا سيما فيما يتعلق بإعادة تأهيل مؤسسات النظام والجيش. فضلاً عن ذلك، فإنّ كُلّاً منهما يريد من الأسد أن يتّخذ قرارات وإجراءات مغايرة لما يريده الطرف الآخر.

في هذه المرحلة بالتحديد، روسيا غير مستعدّة للدفاع عن الأسد بأي ثمن، كما أنّها تودّ أن ترى نتائج استثمارها في الملف السوري على الأرض بشكل سريع كي لا يتحوّل بقاؤها العسكري داخل البلاد إلى عامل استنزاف لها هي الأخرى. تريد موسكو من الأسد الالتزام بالاتفاقات التي تعقدها مع أنقرة بينما تريد إيران من الأسد أن يستمر في حملته العسكرية دون الالتفات الى هذه التفاهمات، الأمر الذي يهدد بجر موسكو إلى معركة مع أطراف أخرى كتركيا لا يستفيد منها سوى النظام الإيراني.

إذا ما تحوّل النزاع بين روسيا وإيران في سوريا إلى نزاع مباشر وعلني، فإنّ شريحة واسعة من السوريين فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية ستدعم موسكو ضد طهران، ولن تمانع في أن تُبقي روسيا نفوذا لها في سوريا إذا ما كان الثمن إخراج إيران من المعادلة. مثل هذا التصوّر سيكتسب أهمّية متزايدة إذا ما واصلت طهران دفع نظام الأسد باتجاه عدم احترام الاتفاقات الثنائية الروسية-التركية وعدم المُضي قدماً في العملية السياسية التي من المفترض بها أن تهيّئ المشهد السوري للمرحلة القادمة وتخلّص موسكو من مزيد من الأعباء في الملف السوري.

المفارقة أنّ هذا الخلاف سيعزّز من نفوذ تركيا ومن مصداقية دورها في الملف السوري. فبخلاف طهران التي تريد من سوريا أن تبقى منصة عمليات ضد الآخرين، ورافعة لأجندتها الإقليمية التوسّعية، فإنّ لتركيا وروسيا مصلحة في تحقيق الاستقرار والمضي قدماً بالرغم من وجود تباينات حول الطريقة المثلى لتحقيق هذا الأمر. بهذا المعنى، فإنّ الخلاف المتنامي الآن داخل نظام الأسد أو بين روسيا وإيران في سوريا، سيوفّر فرصة ثمينة لتركيا والمعارضة السورية إذا ما أحسنت استغلالها خلال المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس